فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَلَا إثْمَ وَالْأُخْرَى الْحَالِفُ مُتَعَمِّدًا لِلْكَذِبِ أَوْ شَاكًّا فَهُوَ آثِمٌ وَلَا تُكَفِّرُ ذَلِكَ الْكَفَّارَةُ وَلْيَتُبْ مِنْ ذَلِكَ إلَى اللَّهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -.
وَالْكَفَّارَةُ إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ الْأَحْرَارِ مُدًّا لِكُلِّ مِسْكِينٍ بِمُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَأَحَبُّ إلَيْنَا أَنْ
ــ
[الفواكه الدواني]
يَعْتَقِدُهُ. (فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُنْعَقِدَةٍ.
قَالَ خَلِيلٌ عَاطِفًا عَلَى مَا لَا كَفَّارَةَ فِيهِ: وَلَا لَغْوَ عَلَى مَا يَعْتَقِدُهُ، فَظَهَرَ نَفْيُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [البقرة: ٢٢٥] فَمَنْ اعْتَقَدَ عَدَمَ مَجِيءِ زَيْدٍ فَحَلَفَ بِاَللَّهِ مَا جَاءَ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ جَاءَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ حِينَ الْحَلِفِ قَادِرًا عَلَى الْكَشْفِ وَعَلِمَ مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ.
(تَنْبِيهٌ) إنَّمَا حَمَلْنَا الْحَلِفَ عَلَى الْحَلِفِ بِاَللَّهِ أَوْ صِفَتِهِ أَوْ النَّذْرِ الْمُبْهَمِ؛ لِأَنَّ اللَّغْوَ لَا يُفِيدُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ نَحْوِ طَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ نَذْرٍ غَيْرِ مُبْهَمٍ، وَفَسَّرْنَا الظَّنَّ فِي كَلَامِهِ بِالْيَقِينِ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ عَلَى الظَّنِّ غَيْرِ الْقَوِيِّ، أَوْ عَلَى الشَّكِّ مِنْ قَبِيلِ الْغَمُوسِ كَمَا يَأْتِي.
وَاعْلَمْ أَنَّ شَرْطَ عَدَمِ لُزُومِ الْكَفَّارَةِ فِي لَغْوِ الْيَمِينِ يُعَلِّقُهَا بِالْمَاضِي أَوْ الْحَالِ لَا بِالْمُسْتَقْبَلِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ (وَ) الْيَمِينُ (الْآخَرُ) الْأَوْلَى الْأُخْرَى مِمَّا لَا يُكَفَّرُ الْيَمِينُ الْغَمُوسُ، وَهِيَ أَنْ يَكُونَ (الْحَالِفُ مُتَعَمِّدًا الْكَذِبَ أَوْ شَاكًّا) فِيمَا يَحْلِفُ عَلَيْهِ بِأَنْ يَحْلِفَ بِاَللَّهِ أَنَّهُ مَا نَظَرَ زَيْدًا فِي هَذَا الْيَوْمِ، وَالْحَالُ أَنَّهُ عَالِمٌ بِأَنَّهُ نَظَرَهُ أَوْ شَاكٌّ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَغَمُوسٌ بِأَنْ شَكَّ أَوْ ظَنَّ وَحَلَفَ بِلَا تَبَيُّنٍ صَدَقَ بِأَنْ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ الْأَمْرَ عَلَى خِلَافِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يَتَبَيَّنْ شَيْءٌ، وَأَمَّا لَوْ تَبَيَّنَ لَهُ صِدْقُ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ غَمُوسًا فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَلَمَّا كَانَ الْحَلِفُ عَلَى غَيْرِ يَقِينٍ حَرَامًا قَالَ: (فَهُوَ) أَيْ الْحَالِفُ عَلَى شَكٍّ أَوْ مُتَعَمِّدِ الْكَذِبِ (آثِمٌ) إنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ صِدْقُهُ (وَلَا يُكَفِّرُ ذَلِكَ) الْإِثْمَ (الْكَفَّارَةُ) فَاعِلُ يُكَفِّرُ لِعِظَمِ أَمْرِهَا وَعَدَمِ انْعِقَادِهَا.
قَالَ ابْنُ يُونُسَ: الْغَمُوسُ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ تُكَفِّرَهُ الْكَفَّارَةُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا} [آل عمران: ٧٧] الْآيَةَ، وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ اقْتَطَعَ مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَأَوْجَبَ لَهُ النَّارَ قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنْ بِشَيْءٍ يَسِيرٍ؟ قَالَ وَإِنْ سِوَاكًا» . رَوَاهُ الْحَاكِمُ.
وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ حَلَفَ عَلَى مَالِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِغَيْرِ حَقِّهِ لَقِيَ اللَّهَ، وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ» الْحَدِيثَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ: وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: الْيَمِينُ الْغَمُوسُ تَدَعُ الدِّيَارَ بَلَاقِعَ أَيْ خَالِيَةً. (وَلْيَتُبْ) وُجُوبًا الْحَالِفُ يَمِينَ الْغَمُوسِ (مِنْ ذَلِكَ) الْحَلِفِ (إلَى رَبِّهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -) ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ الْغَمُوسَ مِنْ الْكَبَائِرِ وَالتَّوْبَةُ وَاجِبَةٌ مِنْهَا، وَيَطْلُبُ مِنْهُ أَنْ يَتَقَرَّبَ إلَى خَالِقِهِ بِمَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْ عِتْقٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ صِيَامٍ، وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ غَمُوسًا لِغَمْسِهَا صَاحِبِهَا فِي الْإِثْمِ أَوْ فِي النَّارِ.
(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: عُلِمَ مِمَّا قَرَّرْنَا أَنَّ مَحَلَّ إثْمِ الْحَالِفِ عَلَى ظَنٍّ أَوْ شَكٍّ إذْ لَمْ يَتَبَيَّنْ صِدْقُهُ، وَإِلَّا فَلَا إثْمَ.
قَالَ مَالِكٌ:، وَمَنْ قَالَ: وَاَللَّهِ مَا لَقِيتُ فُلَانًا أَمْسِ، وَهُوَ لَا يَدْرِي أَلَقِيَهُ أَمْ لَا ثُمَّ عَلِمَ بَعْدَ يَمِينِهِ أَنَّهُ كَمَا حَلَفَ بَرَّ، وَإِنْ كَانَ خِلَافَ ذَلِكَ أَثِمَ، وَكَانَ كَتَعَمُّدِ الْكَذِبِ، وَهِيَ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ تُكَفَّرَ، وَمَعْنَى قَوْلِ الْإِمَامِ بَرَّ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ.
الثَّانِي: مَحَلُّ كَوْنِ الظَّنِّ كَالشَّكِّ مَا لَمْ يَكُنْ قَوِيًّا، وَإِلَّا فَلَا يَكُونُ غَمُوسًا، وَلَا إثْمَ عَلَى فَاعِلِ ذَلِكَ.
قَالَ الْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ: وَاعْتَمَدَ الْبَابُ عَلَى ظَنٍّ قَوِيٍّ، وَمَحَلُّهُ أَيْضًا إذَا أَطْلَقَ فِي يَمِينِهِ، وَأَمَّا إنْ قَيَّدَهَا بِأَنْ يَقُولَ فِي ظَنِّيِّ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.
الثَّالِثُ: ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي أَنَّ الْيَمِينَ اللَّغْوَ وَالْغَمُوسَ لَا كَفَّارَةَ فِيهِمَا مُطْلَقًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ فِي الْمَسْأَلَةِ تَفْصِيلٌ مُحَصَّلُهُ: إنْ تَعَلَّقَتْ الْيَمِينُ بِالْمَاضِي لَا كَفَّارَةَ فِيهَا مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهَا إمَّا لَغْوٌ أَوْ غَمُوسٌ أَوْ صَادِقَةٌ، وَإِنْ تَعَلَّقَتْ بِالْمُسْتَقْبَلِ تُكَفَّرُ، وَلَوْ لَغْوًا أَوْ غَمُوسًا، وَإِنْ تَعَلَّقَتْ الْيَمِينُ بِالْحَالِ لَمْ تُكَفَّرْ إنْ كَانَتْ لَغْوًا.
وَفِي تَكْفِيرِ الْغَمُوسِ إنْ تَعَلَّقَتْ بِهِ خِلَافٌ، فَمُقْتَضَى كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ تَعَلُّقِهَا بِهِ، وَنَقَلَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَنْ أَكْثَرِ الشُّيُوخِ مَا يُفِيدُ عَدَمَ تَعَلُّقِهَا بِهِ، وَفَائِدَةُ عَدَمِ التَّعَلُّقِ التَّكْفِيرُ.
قَالَ جَمِيعَ ذَلِكَ الْأُجْهُورِيُّ فِي شَرْحِ خَلِيلٍ وَنَظَمَهُ بِقَوْلِهِ:
كَفِّرْ غَمُوسًا بِلَا مَاضٍ تَكُونُ كَذَا ... لَغْوٌ بِمُسْتَقْبَلٍ لَا غَيْرُ فَامْتَثِلَا
(فَإِنْ قِيلَ) الْمُنْعَقِدَةُ عَلَى بِرٍّ بِإِنْ فَعَلْت أَوْ لَا فَعَلْت مَاضٍ، وَالْيَمِينُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْمَاضِي قُلْتُمْ لَا كَفَّارَةَ فِيهَا مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهَا إمَّا صَادِقَةٌ أَوْ غَمُوسٌ أَوْ لَغْوٌ فَمَا الْجَوَابُ؟ . (وَالْجَوَابُ) أَنْ يُقَالَ: الْحَلِفُ مِنْ بَابِ الْإِنْشَاءِ فَفِعْلٌ، وَإِنْ كَانَ مَاضِيًا إنْشَاءً فَهُوَ مُسْتَقْبَلٌ، وَالْكَفَّارَةُ تَتَعَلَّقُ بِالْمُسْتَقْبَلِ، وَلَا سِيَّمَا إنْ جُعِلَتْ إنْ شَرْطِيَّةً بِذِكْرِ الْجَوَابِ، وَالشَّرْطُ لَا يَكُونُ إلَّا مُسْتَقْبَلًا، وَإِنْ جُعِلَتْ نَافِيَةً الصَّارِفُ لَهَا إلَى الِاسْتِقْبَالِ الْحَلِفُ؛ لِأَنَّهُ إنْشَاءٌ، وَقَدْ جَعَلَ النُّحَاةُ مِنْ صَوَارِفِ الْمَاضِي إلَى الِاسْتِقْبَالِ الْإِنْشَاءَ، فَإِذَا قَالَ الْحَالِفُ: وَاَللَّهِ لَا كَلَّمْت فُلَانًا، فَمَعْنَاهُ لَأَتْرُكَنَّ كَلَامَهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَإِذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ: وَاَللَّهِ لَا دَخَلْت الدَّارَ، فَمَعْنَاهُ اُتْرُكِي دُخُولَهَا، وَهَكَذَا. هَذَا إيضَاحُ مَا قَالَهُ بَعْضُ الشُّيُوخِ. وَأَقُولُ: الْأَحْسَنُ فِي الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ الْمَشْرُوطُ كَوْنُهُ مُسْتَقْبَلًا مُتَعَلِّقُ