للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إطْعَامًا فَلْيَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ يُتَابِعُهُنَّ فَإِنْ فَرَّقَهُنَّ أَجْزَأَهُ.

وَلَهُ أَنْ يُكَفِّرَ قَبْلَ الْحِنْثِ أَوْ بَعْدَهُ، وَبَعْدَ الْحِنْثِ أَحَبُّ إلَيْنَا.

، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ

ــ

[الفواكه الدواني]

الْكَسْبَ كَعَمًى وَجُنُونٍ، وَهَرَمٍ وَعَرَجٍ شَدِيدَيْنِ لَا مَا خَفَّ كَقَطْعِ ظُفُرٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ عَرَجٍ خَفِيفَيْنِ، وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا سَلَامَتُهَا مِنْ شَوَائِبِ الْحُرِّيَّةِ، فَلَا يُجْزِئُ عِتْقُ مُكَاتَبٍ، وَلَا مُدَبَّرٍ، وَلَا أُمِّ وَلَدٍ، كَمَا يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَسْتَقِرُّ مِلْكُهُ عَلَيْهَا بَعْدَ الشِّرَاءِ احْتِرَازًا مِمَّنْ تُعْتَقُ بِالشِّرَاءِ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ كَامِلَةً لَا الرَّقَبَةَ الْمُشْتَرَكَةَ، وَلَا يُشْتَرَطُ كِبَرُهَا لِإِجْزَاءِ الرَّضِيعِ، وَقَوْلُنَا الْمُكَفِّرُ الْحُرُّ لِإِخْرَاجِ الْعَبْدِ فَإِنَّهُ يُكَفِّرُ بِالصَّوْمِ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ سَيِّدُهُ فِي الْإِطْعَامِ فَيُجْزِئُهُ، وَإِنْ كَانَ الصَّوْمُ أَحَبَّ إلَى مَالِكٍ، وَلَا يُجْزِئُهُ الْعِتْقُ، وَلَوْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا وَلَاءَ لَهُ عَلَى مَنْ أَعْتَقَهُ إنَّمَا وَلَاؤُهُ لِسَيِّدِهِ، وَلَا يُعْتَقُ إلَّا مَنْ يَسْتَقِرُّ لَهُ الْوَلَاءُ.

(تَنْبِيهٌ) فُهِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَالْآيَةِ الشَّرِيفَةِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ إخْرَاجُ دَرَاهِمَ، وَلَا عُرُوضَ، كَمَا لَا يَصِحُّ ذَلِكَ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ بِصِحَّةِ ذَلِكَ، فَيَنْبَغِي لِمَنْ لَا يَسْتَطِيعُ الْإِطْعَامَ قِيمَةُ الطَّعَامِ أَوْ قِيمَةُ الْكِسْوَةِ.

وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْمُخَيَّرِ فِيهِ شَرَعَ فِيمَا يَجِبُ تَرَتُّبُهُ بِقَوْلِهِ: (فَإِنَّ ذَلِكَ) الْمَذْكُورَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ (فَإِنْ فَرَّقَهُنَّ أَجْزَأَهُ) فَلَا يَصِحُّ صِيَامٌ مِنْ حُرٍّ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ لِوُجُوبِ التَّرْتِيبِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الصَّوْمِ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي عَجْزِهِ عَلَى كَلَامِ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنْ لَا يَجِدَ إلَّا قُوتَهُ أَوْ كِسْوَتَهُ بِبَلَدٍ لَا يَعْطِفُ عَلَيْهِ فِيهِ وَيَخَافُ الْجُوعَ، وَهَكَذَا يُحْكَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَالْمُعْتَبَرُ الْعَجْزُ حَالَ إخْرَاجِ الْكَفَّارَةِ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَإِنْ كَانَ مَلِيًّا حِينَ الْحَلِفِ أَوْ الْحِنْثِ، فَإِنْ شَرَعَ فِي الصَّوْمِ لِعَجْزِهِ عَنْ أَقَلِّ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ ثُمَّ أَيْسَرَ، فَإِنْ كَانَ فِي أَثْنَاءِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَجَبَ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ لِلتَّكْفِيرِ بِمَا قَدَرَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ كَمَالِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَقَبْلَ كَمَالِ الثَّالِثِ نُدِبَ لَهُ الرُّجُوعُ لِلتَّكْفِيرِ بِمَا قَدَرَ عَلَيْهِ.

(تَنْبِيهٌ) فُهِمَ مِنْ إتْيَانِ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّ التَّنْوِيعِيَّةِ أَنَّهُ لَا تُجْزِئُ مُلَفَّقَةً، قَالَ خَلِيلٌ: وَلَا تُجْزِئُ مُلَفَّقَةً بِأَنْ يُطْعِمَ خَمْسَةً وَيُكْسِيَ خَمْسَةً مَثَلًا، وَالْكَفَّارَةُ وَاجِبَةٌ عَلَى الْفَوْرِ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ الْخِلَافِ لَكِنْ بَعْدَ الْحِنْثِ.

وَلَمَّا كَانَ يُتَوَهَّمُ عَدَمُ إجْزَائِهَا إنْ أَخْرَجَهَا قَبْلَ الْحِنْثِ قَالَ: (وَلَهُ أَنْ يُكَفِّرَ قَبْلَ الْحِنْثِ أَوْ بَعْدَهُ، وَ) لَكِنَّ التَّكْفِيرَ (بَعْدَ الْحِنْثِ أَحَبُّ إلَيْنَا) قَالَ خَلِيلٌ: وَأَجْزَأَتْ قَبْلَ حِنْثِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْيَمِينُ يَمِينَ بِرٍّ أَوْ حِنْثٍ، سَوَاءٌ كَانَ الْحَلِفُ عَلَى فِعْلِهِ أَوْ فِعْلِ غَيْرِهِ لَكِنْ تَقَيَّدَ يَمِينُ الْحِنْثِ بِأَنْ لَا تَكُونَ مُؤَجَّلَةً فَلَا تُكَفِّرُهَا حَتَّى يَمْضِيَ الْأَجَلُ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ.

(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: فُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ: وَلَهُ أَنْ يُكَفِّرَ أَنَّ الْيَمِينَ مِمَّا يُمْكِنُ تَكْفِيرُهَا قَبْلَ الْحِنْثِ، وَذَلِكَ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ أَوْ بِالْعِتْقِ الْمُعَيَّنِ أَوْ التَّصَدُّقِ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ، وَنَظِيرُهَا فِي الْإِجْزَاءِ، وَإِنْ لَمْ يُعِدْ تَكْفِيرَ الطَّلَاقِ الْبَالِغِ الْغَايَةِ، وَأَمَّا الْيَمِينُ بِصَدَقَةِ شَيْءٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ أَوْ بِعِتْقٍ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ أَوْ بِطَلَاقٍ لَمْ يَبْلُغْ الْغَايَةَ، فَلَا يُجْزِئُ فِعْلُ شَيْءٍ مِنْ تِلْكَ الْمَذْكُورَاتِ قَبْلَ فِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، وَإِنْ فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ لَزِمَهُ مَا حَلَفَ بِهِ مِنْ طَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ غَيْرِهِمَا زِيَادَةً عَلَى مَا عَجَّلَهُ.

الثَّانِي: اسْتَشْكَلَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: وَبَعْدَ الْحِنْثِ أَحَبُّ إلَيْنَا، مَعَ قَوْلِ خَلِيلٍ: وَتَجِبُ بِالْحِنْثِ، وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْأَحَبِّيَّةِ وَالْوُجُوبِ، إذْ قَدْ تُحْمَلُ الْأَحَبِّيَّةُ عَلَى الْوُجُوبِ، وَذَلِكَ فِي أَمَاكِنَ كَثِيرَةٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا، أَوْ أَنَّ الْأَحَبِّيَّةَ مِنْ حَيْثُ كَوْنُ الْإِخْرَاجِ بَعْدَ الْوُجُوبِ، فَلَا يُنَافِي أَنَّ الْإِخْرَاجَ وَاجِبٌ.

الثَّالِثُ: لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ الْإِقْدَامِ عَلَى فِعْلِ مَا يُوجِبُ الْحِنْثَ، وَلَهُ خَمْسَةُ أَحْكَامٍ: الْوُجُوبُ وَذَلِكَ بِأَنْ يَحْلِفَ عَلَى تَرْكِ وَاجِبٍ كَصِلَةِ رَحِمٍ، أَوْ صَلَاةِ فَرْضٍ يَحْلِفُ لَا يَفْعَلُهُ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُحْنِثَ نَفْسَهُ خُرُوجًا مِنْ الْمَعْصِيَةِ، وَالنَّدْبُ كَحَلِفِهِ عَلَى تَرْكِ مَنْدُوبٍ كَصَلَاةِ الضُّحَى أَوْ زِيَارَةِ صَالِحٍ، فَيُسْتَحَبُّ لَهُ تَحْنِيثُ نَفْسِهِ بِالْجَوَازِ، كَحَلِفِهِ عَلَى تَرْكِ مُبَاحٍ عَلَيْهِ فِي تَرْكِهِ مَشَقَّةٌ فَيُبَاحُ لَهُ تَحْنِيثُ نَفْسِهِ، وَأَمَّا إنْ لَمْ تَلْحَقْهُ مَشَقَّةٌ بِتَرْكِهِ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ تَحْنِيثُ نَفْسِهِ، وَالْحُرْمَةُ كَأَنْ يَحْلِفَ لَا يَشْرَبُ خَمْرًا فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ تَحْنِيثُ نَفْسِهِ كَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفُّ عَنْهُ، وَيُحْنِثُ نَفْسَهُ عِنْدَ حَلِفِهِ لَيَشْرَبَنَّهُ وَيُكَفِّرُ فَإِنْ تَجَرَّأَ وَشَرِبَهُ أَثِمَ، وَلَا كَفَّارَةَ لِفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، وَسَيَأْتِي هَذَا الْقِسْمُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ.

الرَّابِعُ: عُلِمَ مِمَّا قَدَّمْنَا أَنَّ يَمِينَ الْبِرِّ لَا يَحْنَثُ الْحَالِفُ فِيهَا إلَّا لِفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَى تَرْكِهِ اخْتِيَارًا، وَلَوْ فَعَلَهُ مَعَ النِّسْيَانِ أَوْ الْجَهْلِ أَوْ الْغَلَطِ أَوْ مُكْرَهًا إكْرَاهًا شَرْعِيًّا لَا إنْ فَعَلَهُ مُكْرَهًا أَوْ إكْرَاهًا غَيْرَ شَرْعِيٍّ، فَلَا يَحْنَثُ إلَّا أَنْ يَأْمُرَ بِالْإِكْرَاهِ أَوْ يَكُونَ الْمُكْرَهُ هُوَ الْحَالِفَ، كَأَنْ يَحْلِفَ عَلَى غَيْرِهِ لَا يَفْعَلُ كَذَا وَأَكْرَهَهُ الْحَالِفُ عَلَى فِعْلِهِ، أَوْ يَكُونُ الْحَالِفُ يَعْلَمُ أَنَّ غَيْرَهُ يُكْرِهُهُ عَلَى فِعْلِ مَا حَلَفَ عَلَى تَرْكِهِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ، رَاجِعْ شَرْحَ الْأُجْهُورِيِّ عَلَى خَلِيلٍ. وَأَمَّا الْبِرُّ فِي صِيغَةِ الْحِنْثِ فَيَحْصُلُ بِفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَى فِعْلِهِ طَوْعًا، وَأَمَّا لَوْ فَعَلَهُ مُكْرَهًا فَفِي عِتْقِهَا لَا يَبَرُّ، وَتُحْمَلُ يَمِينُهُ عَلَى الطَّوْعِ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ نِيَّةَ فِعْلِهِ، وَلَوْ مُكْرَهًا فَيُصَدَّقُ فِي الْفَتْوَى، وَهَذَا فِي حَلِفِهِ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ حَلِفُهُ عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِ كَحَلِفِهِ لَيَقُومَنَّ زَيْدٌ ثُمَّ أَكْرَهَهُ عَلَى الْقِيَامِ فَإِنَّهُ لَا يَبَرُّ، إلَّا أَنْ يَنْوِيَ أَنْ يُوجَدَ مِنْهُ قِيَامٌ طَائِعًا أَوْ مُكْرَهًا فَيَبَرُّ وَتَنْفَعُهُ نِيَّتُهُ فِي الْفَتْوَى فَقَطْ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَتْ يَمِينُهُ بِغَيْرِ طَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ مُعَيَّنٍ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ نِيَّةٌ لَا يَبَرُّ؛ لِأَنَّ يَمِينَهُ تُحْمَلُ عَلَى قَصْدِ فِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ عَلَى وَجْهِ الِاخْتِيَارِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>