للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[الفواكه الدواني]

كَانَ يَجُوزُ لِلْحُرِّ وَالْعَبْدِ تَعَدُّدُ الزَّوْجَاتِ وَكَانَ الْقَسْمُ بَيْنَهُنَّ فِي الْمَبِيتِ وَاجِبًا شَرَعَ فِي بَابِ الْقَسْمِ بِقَوْلِهِ: (لِيَعْدِلْ) الزَّوْجُ (بَيْنَ نِسَائِهِ) فِي الْمَبِيتِ وَإِنْ امْتَنَعَ وَطْؤُهُنَّ.

قَالَ خَلِيلٌ: إنَّمَا يَجِبُ الْقَسْمُ لِلزَّوْجَاتِ فِي الْمَبِيتِ وَإِنْ امْتَنَعَ الْوَطْءُ شَرْعًا أَوْ عَادَةٍ أَوْ عَقْلًا دَلَّ عَلَى وُجُوبِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَإِجْمَاعُ الْأَمَةِ، سَوَاءٌ كُنَّ حَرَائِرَ أَوْ إمَاءَ مُسْلِمَاتٍ أَوْ كِتَابِيَّاتٍ صَحِيحَاتٍ أَوْ مَرِيضَاتٍ كَبِيرَاتٍ أَوْ صَغِيرَاتٍ، كَانَ الزَّوْجُ الْبَالِغُ حُرًّا أَوْ عَبْدًا صَحِيحًا أَوْ مَرِيضًا حَيْثُ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى الِانْتِقَالِ، وَأَمَّا مَنْ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى الِانْتِقَالِ فَيَمْكُثُ عِنْدَ مَنْ شَاءَ، وَعَلَى وَلِيِّ الْمَجْنُونِ أَنْ يَطُوفَ بِهِ عَلَيْهِنَّ، كَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِنَّ مِنْ مَالِ الزَّوْجِ لَكِنْ بِشَرْطِ انْتِفَاعِهِنَّ بِحُضُورِهِ وَعَدَمِ الْخَوْفِ مِنْهُ عَلَيْهِنَّ، وَإِلَّا فَلَا وُجُوبَ عَلَى الْوَلِيِّ، كَمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إطَاقَةُ الصَّبِيِّ عَلَيْهِنَّ، فَالْكِتَابُ قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} [النساء: ٣] وَالسُّنَّةُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا كَانَ عِنْدَ الرَّجُلِ امْرَأَتَانِ فَلَمْ يَعْدِلْ بَيْنَهُمَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ سَاقِطٌ» رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ.

وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ: فَقَدْ أَجْمَعَ الْمُجْتَهِدُونَ عَلَى وُجُوبِهِ وَعَلَى عِصْيَانِ تَارِكِهِ، وَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ وَلَا إمَامَتُهُ عِنْدَ بَعْضِ الشُّيُوخِ، وَمَنْ جَحَدَ وُجُوبَهُ يُسْتَتَابُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لِارْتِدَادِهِ بِجَحْدِهِ، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ.

(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: عُلِمَ مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّ الْقَسْمَ لَا يَجِبُ إلَّا عَلَى الزَّوْجِ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ أَوْ عَلَى وَلِيِّ الْمَجْنُونِ لَا عَلَى وَلِيِّ صَبِيٍّ لِعَدَمِ انْتِفَاعِهَا بِحُضُورِ الصَّبِيِّ، وَيُشْتَرَطُ فِي الزَّوْجَاتِ الدُّخُولُ بِهِنَّ وَإِطَاقَتُهُنَّ الْوَطْءَ؛ فَلَا يَجِبُ الْقَسْمُ لِغَيْرِ مَدْخُولٍ بِهَا وَلَا لِصَغِيرَةٍ لَمْ تُطِقْ الْوَطْءَ وَإِنْ دَخَلَ بِهَا.

الثَّانِي: إطْلَاقُهُ فِي النِّسَاءِ شَامِلٌ لِلْحَرَائِرِ وَالْإِمَاءِ وَالْمُجْمَعِ مِنْهُمَا.

قَالَ خَلِيلٌ: وَالْأَمَةُ أَيْ الزَّوْجَةُ الْأَمَةُ كَالْحُرَّةِ، وَسَيَأْتِي كَلَامُ الْمُصَنِّفِ بِالْإِشَارَةِ إلَى ذَلِكَ.

الثَّالِثُ: تَعْبِيرُهُ بِالنِّسَاءِ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الْوَاحِدَةَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْبَيَاتُ عِنْدَهَا وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ فَقَطْ، وَاسْتَظْهَرَ ابْنُ عَرَفَةَ وُجُوبَ الْبَيَاتِ عِنْدَهَا أَوْ يُحْضِرَ لَهَا مُؤْنِسَةً لِأَنَّ تَرْكَهَا وَحْدَهَا ضَرَرٌ بِهَا، وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانَ الْمَحَلُّ يُتَوَقَّعُ مِنْهُ الْفَسَادُ أَوْ الْخَوْفُ مِنْ نَحْوِ اللُّصُوصِ.

وَفِي التَّوْضِيحِ: إذَا اشْتَكَتْ الْمَرْأَةُ الْوَحْدَةَ ضُمَّتْ إلَى جَمَاعَةٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ تَزَوَّجَهَا عَلَى ذَلِكَ هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْبَيَاتِ، وَأَمَّا الْوَطْءُ فَقَدْ قَالَ صَاحِبُ الْقَبَسِ: الْوَطْءُ وَاجِبٌ عَلَى الزَّوْجِ لِلْمَرْأَةِ عِنْدَ مَالِكٍ إذَا انْتَفَى الْعُذْرُ، وَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ وَالْأُجْهُورِيُّ: يَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ وَطْءُ زَوْجَتِهِ وَيُقْضَى عَلَيْهِ بِهِ حَيْثُ تَضَرَّرَتْ الْمَرْأَةُ بِتَرْكِهِ وَقَدَرَ عَلَيْهِ الزَّوْجُ، لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُكَلَّفُ مَا لَا يُطِيقُهُ، وَالرَّاجِحُ أَنَّهَا إذَا شَكَتْ قِلَّةَ الْوَطْءِ يُقْضَى لَهَا فِي كُلِّ أَرْبَعِ لَيَالٍ بِلَيْلَةٍ، كَمَا أَنَّ الصَّحِيحَ إذَا شَكَا الزَّوْجُ مِنْ قِلَّةِ الْجِمَاعِ أَنْ يُقْضَى لَهُ عَلَيْهَا بِمَا تُطِيقُهُ كَالْأَجِيرِ، خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: يُقْضَى بِأَرْبَعِ مَرَّاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ لِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ النَّاسِ فَقَدْ لَا تُطِيقُ الْمَرْأَةُ ذَلِكَ.

الرَّابِعُ: إنَّمَا جَعَلْنَا وُجُوبَ الْعَدْلِ فِي الْمَبِيتِ فَقَطْ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي غَيْرِهِ مِنْ نَحْوِ نَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ وَمَحَبَّةٍ قَلْبِيَّةٍ، وَلَا فِي وَطْءٍ إلَّا عِنْدَ قَصْدِ إضْرَارِ الْمَرْأَةِ، وَذَلِكَ بِأَنْ تَمِيلَ نَفْسُهُ إلَى وَطْءِ وَاحِدَةٍ فَيَكُفَّ عَنْ وَطْئِهَا لِيُوَفِّرَ لَذَّتَهُ وَقُوَّتَهُ إلَى غَيْرِهَا فَهَذَا حَرَامٌ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ تَرْكُ الْكَفِّ وَيُحْمَلُ عِنْدَ الْكَفِّ عَلَى قَصْدِ الْإِضْرَارِ وَإِنْ لَمْ يُلَاحَظْ ذَلِكَ وَقْتَ الْكَفِّ لِأَنَّ الْكَفَّ مَظِنَّةُ قَصْدِ الضَّرَرِ.

قَالَ خَلِيلٌ مُخَرِّجًا لَهُ مِنْ الْوَاجِبِ لَا فِي الْوَطْءِ إلَّا الْإِضْرَارَ كَكَفِّهِ لِتَتَوَفَّرَ لَذَّتُهُ لِأُخْرَى.

الْخَامِسُ: لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ مُدَّةَ الْإِقَامَةِ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدَةٍ، وَأَقَلُّهَا الَّذِي لَا زِيَادَةَ عَلَيْهِ وَلَا نَقْصَ عَنْهُ إلَّا بِرِضَاهُنَّ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ.

قَالَ الْبَاجِيُّ: الْأَظْهَرُ مِنْ قَوْلِ أَصْحَابِنَا الْبُدَاءَةُ بِاللَّيْلِ وَيُكَمَّلُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ.

قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يُقِيمُ الْقَادِمُ مِنْ السَّفَرِ نَهَارًا عِنْدَ أَيَّتِهِنَّ أَحَبَّ وَلَا يَحْسِبُ وَيَسْتَأْنِفُ الْقَسْمَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ اللَّيْلُ، قَالَ خَلِيلٌ: وَنُدِبَ الِابْتِدَاءُ بِاللَّيْلِ كَنَدْبِ الْبَيَاتِ عِنْدَ الْوَاحِدَةِ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ الزَّوْجَاتُ فِي بَلْدَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ فِي حُكْمِ الْوَاحِدَةِ، وَأَمَّا إذَا تَفَرَّقْنَ فِي أَمَاكِنَ بِبُلْدَانٍ مُتَبَاعِدَةٍ فَإِنَّ الْإِقَامَةَ عِنْدَهُنَّ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ مِنْ جُمُعَةٍ أَوْ شَهْرٍ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَدْخُلَ فِي يَوْمِ ضَرَّةٍ مَحَلَّ أُخْرَى إلَّا لِحَاجَةٍ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُفْرِدَ كُلَّ وَاحِدَةٍ بِمَسْكَنٍ ذِي مَرَافِقَ بِحَيْثُ تَسْتَغْنِي عَنْ مَحَلِّ الْأُخْرَى، وَيَجُوزُ جَمْعُهُنَّ فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ بِرِضَاهُنَّ، وَالْمُحَرَّمُ مُطْلَقًا إنَّمَا هُوَ الْجَمْعُ وَلَوْ بَيْنَ اثْنَيْنِ فِي فَرْشٍ وَاحِدٍ وَلَوْ بِغَيْرِ وَطْءٍ وَلَوْ بِرِضَاهُنَّ، وَإِنْ لَازَمَ الْبَيَاتَ عِنْدَ وَاحِدَةٍ عَلَى الْوَجْهِ الْمُحَرَّمِ فَإِنَّ لَيْلَةَ الْمَظْلُومَةِ تَفُوتُ عَلَيْهَا وَلَا تُحَاسَبُ بِهَا.

قَالَ خَلِيلٌ: وَفَاتَ إنْ ظَلَمَ فِيهِ وَتَجِبُ التَّسْوِيَةُ بَعْدَ ذَلِكَ.

السَّادِسُ: مَنْ تَزَوَّجَ وَاحِدَةً بَعْدَ أُخْرَى فَإِنَّهُ يَقْضِي لِلثَّانِيَةِ بِسَبْعِ لَيَالٍ بِأَيَّامِهَا إنْ كَانَتْ بِكْرًا وَبِثَلَاثٍ إنْ كَانَتْ ثَيِّبًا، وَأَمَّا تَزَوُّجُ اثْنَتَيْنِ فِي اثْنَتَيْنِ فِي لَيْلَةٍ فَاسْتَظْهَرَ ابْنُ عَرَفَةَ تَقْدِيمَ السَّابِقَةِ فِي الدَّعْوَى، فَإِنْ اسْتَوَيَتَا فَالسَّابِقَةُ عَقْدًا، فَإِنْ اسْتَوَيَا بِالْقُرْعَةِ وَكُلُّ مَنْ قُدِّمَتْ اسْتَحَقَّ مَا يُقْضَى لَهَا بِهِ مِنْ سَبْعٍ أَوْ ثَلَاثٍ.

السَّابِعُ: لَوْ أَرَادَ الزَّوْجُ السَّفَرَ فَإِنَّهُ يَخْتَارُ وَاحِدَةً إلَّا أَنْ يَكُونَ السَّفَرُ لِقُرْبَةٍ كَحَجٍّ أَوْ غَزْوٍ فَيُقْرِعُ بَيْنَهُنَّ، وَكَذَلِكَ إذَا مَرِضَ بِحَيْثُ لَا يَسْتَطِيعُ الدَّوَرَانَ عَلَيْهِنَّ فَإِنَّهُ يَخْتَارُ الْإِقَامَةَ عِنْدَ أَيَّتِهِنَّ شَاءَ.

الثَّامِنُ: كُلُّ مَنْ امْتَنَعَتْ مِنْ إطَاعَةِ الزَّوْجِ فِي أَمْرٍ مِنْ شَأْنِهَا فَلَهُ وَعْظُهَا وَهَجْرُهَا،

<<  <  ج: ص:  >  >>