فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُمَتِّعَ وَلَا يُجْبَرُ وَاَلَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَقَدْ فَرَضَ لَهَا فَلَا مُتْعَةَ لَهَا وَلَا لِلْمُخْتَلِعَةِ.
وَإِنْ مَاتَ عَنْ الَّتِي لَمْ يَفْرِضْ لَهَا وَلَمْ يَبْنِ بِهَا فَلَهَا الْمِيرَاثُ وَلَا صَدَاقَ لَهَا.
وَلَوْ دَخَلَ بِهَا كَانَ لَهَا صَدَاقُ الْمِثْلِ إنْ لَمْ تَكُنْ رَضِيَتْ بِشَيْءٍ
ــ
[الفواكه الدواني]
الْمَصْلَحَةِ، وَكَذَا عِنْدَ جَهْلِ الْحَالِ عَلَى الْقَوْلِ بِالْوِفَاقِ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِالْخِلَافِ فَمَالِكٌ يَقُولُ بِعَدَمِ الْجَوَازِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْإِسْقَاطِ عَدَمُ الْمَصْلَحَةِ، وَابْنُ الْقَاسِمِ يَقُولُ بِالْجَوَازِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي أَفْعَالِ الْأَبِ فِي حَقِّ ابْنَتِهِ الْبِكْرِ الْمَصْلَحَةُ حَتَّى يَظْهَرَ خِلَافُهَا (وَكَذَلِكَ) أَيْ مِثْلُ أَبِي الْبِكْرِ (السَّيِّدُ) لَهُ الْعَفْوُ عَنْ الزَّوْجِ (فِي أَمَتِهِ) الَّتِي زَوَّجَهَا وَطَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: ٢٣٧] يَجِبُ لِلزَّوْجَاتِ الْمُطَلَّقَاتِ وَيَرْجِعُ لَكُمْ الزَّائِدُ {إِلا أَنْ يَعْفُونَ} [البقرة: ٢٣٧] أَيْ الزَّوْجَاتُ الرَّشِيدَاتُ فَيَتْرُكُونَهُ {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: ٢٣٧] وَهُوَ عِنْدَ مَالِكٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ الْأَبُ فِي ابْنَتِهِ الْبِكْرِ، وَالسَّيِّدُ فِي أَمَتِهِ وَلَوْ كَانَتْ ثَيِّبًا، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ: الزَّوْجُ وَعَفْوُهُ أَنْ يَدْفَعَ النِّصْفَ الَّذِي لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ لِلْمَرْأَةِ فَتَأْخُذَ جَمِيعَ الصَّدَاقِ، وَرَجَّحَ جَمَاعَةٌ مَا عَلَيْهِ مَالِكٌ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِاَلَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ الْوَلِيُّ.
(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: الْمُرَادُ بِالْبِنَاءِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الْوَطْءُ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْمَسِّ فِي الْآيَةِ لَا مُجَرَّدَ الِاخْتِلَاءِ بِهَا، وَمَفْهُومُ قَبْلَ الْبِنَاءِ أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ بَعْدَهُ يَجِبُ لَهَا جَمِيعُ الصَّدَاقِ، لِأَنَّهُ يَتَقَرَّرُ بِوَطْءِ الزَّوْجِ الْبَالِغِ مِنْ إطَاقَةِ الزَّوْجَةِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَتَقَرَّرَ بِوَطْءٍ وَإِنْ حَرُمَ كَوَطْئِهَا فِي حَيْضِهَا أَوْ دُبُرِهَا، كَمَا يَتَقَرَّرُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا أَوْ مَوْتِهِمَا، وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ صَبِيًّا وَهِيَ غَيْرُ مُطِيقَةٍ، وَلَوْ كَانَ مَوْتُهَا بِقَتْلِهَا نَفْسَهَا كَرَاهِيَةً فِي زَوْجِهَا، أَوْ بِقَتْلِ سَيِّدِهَا لَهَا إنْ كَانَتْ أَمَةً، كَمَا يَتَقَرَّرُ بِإِقَامَةِ سَنَةٍ بَعْدَ الِاخْتِلَاءِ بِهَا حَيْثُ كَانَ الزَّوْجُ بَالِغًا وَهِيَ مُطِيقَةٌ لِتَنْزِلَ إقَامَةُ سَنَةٍ مَقَامَ الْوَطْءِ.
الثَّانِي: لَوْ اخْتَلَى الزَّوْجُ بِزَوْجَتِهِ وَطَلَّقَهَا قَبْلَ إقَامَةِ سَنَةٍ وَتَنَازَعَا فِي الْوَطْءِ وَعَدَمِهِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَرْأَةِ فِي الْوَطْءِ وَعَدَمِهِ إنْ كَانَتْ خَلْوَةَ اهْتِدَاءٍ، وَلَوْ كَانَتْ حَائِضًا أَوْ مَحْجُورَةً، وَأَمَّا خَلْوَةُ الزِّيَارَةِ فَفِيهَا تَفْصِيلٌ بَيْنَ كَوْنِهِ هُوَ الزَّائِرُ فَيُصَدَّقُ فِي عَدَمِ الْوَطْءِ، وَكَوْنِهَا الزَّائِرَةَ لَهُ فِي بَيْتِهِ فَتُصَدَّقُ فِي الْوَطْءِ، لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَنْشَطُ فِي بَيْتِهِ، وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا زَائِرًا لِلْغَيْرِ.
وَاجْتَمَعَا فِي مَحَلِّ الْغَيْرِ فَالظَّاهِرُ تَصْدِيقُ الزَّوْجِ، كَمَا يُرْشِدُ إلَيْهِ التَّعْلِيلُ، بِخِلَافِ لَوْ اخْتَلَيَا فِي مَحَلٍّ لَيْسَ بِهِ أَحَدٌ وَتَنَازَعَا فِي الْوَطْءِ وَعَدَمِهِ فَالظَّاهِرُ قَبُولُ قَوْلِهَا، وَلَمَّا وَقَعَ فِي الْمُتْعَةِ وَهِيَ مَا يُعْطِيهِ الْمُطَلِّقُ لِمُطَلَّقَتِهِ خِلَافٌ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ بَيَّنَ مُخْتَارَ إمَامِهِ بِقَوْلِهِ: (وَمَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ) بَعْدَ الْبِنَاءِ طَلَاقًا بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا (فَيَنْبَغِي لَهُ) عَلَى جِهَةِ النَّدْبِ (أَنْ يُمَتِّعَ) مُطَلَّقَتَهُ وَلَوْ كِتَابِيَّةً أَوْ أَمَةً.
قَالَ خَلِيلٌ: وَالْمُتْعَةُ عَلَى قَدْرِ حَالِهِ بَعْدَ الْعِدَّةِ الرَّجْعِيَّةِ أَوْ وَرَثَتَهَا كَكُلِّ مُطَلَّقَةٍ فِي نِكَاحٍ لَازِمٍ، وَهِيَ فِي اللُّغَةِ كُلُّ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ، وَشَرْعًا مَا يُعْطِيهِ الزَّوْجُ لِزَوْجَتِهِ عِنْدَ الْفِرَاقِ تَسْلِيَةً لَهَا لِمَا يَحْصُلُ لَهَا مِنْ أَلَمِ الْفِرَاقِ، وَتَكُونُ عَلَى قَدْرِ حَالِ الزَّوْجِ فَقَطْ وَلَوْ كَانَ عَبْدًا، وَتُدْفَعُ لِلرَّجْعِيَّةِ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، وَلِلْبَائِنِ إثْرَ طَلَاقِهَا لِأَنَّ الْوَحْشَةَ إنَّمَا تَحْصُلُ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ، وَإِنْ مَاتَتْ قَبْلَ أَنْ تُمَتَّعَ فَتُدْفَعُ لِوَرَثَتِهَا حَيْثُ مَاتَتْ بَعْدَ الْعِدَّةِ فِي الرَّجْعِيَّةِ، بِخِلَافِ لَوْ مَاتَ الزَّوْجُ قَبْلَ أَنْ يُمَتِّعَهَا أَوْ رَدَّهَا لِعِصْمَتِهِ قَبْلَ دَفْعِهَا لَهَا فَإِنَّهَا تَسْقُطُ وَلَوْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا، وَلَمَّا كَانَ لَفْظُ يَنْبَغِي قَدْ يُرَادُ بِهِ الْوُجُوبُ قَالَ: (وَلَا يُجْبَرُ) الْمُطَلِّقُ عَلَى الْمُتْعَةِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَطَائِفَةٍ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى نَدْبِهَا قَوْله تَعَالَى: {وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: ٢٣٦] وَقَالَ تَعَالَى: {حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} [البقرة: ٢٤١] وَالتَّعْبِيرُ بِالْإِحْسَانِ صَرَفَ الْحَقَّ عَنْ الْوُجُوبِ لِأَنَّ الْوُجُوبَ لَا يَتَقَيَّدُ بِالْمُحْسِنِينَ وَلَا بِالْمُتَّقِينَ وَأَيْضًا الْحَقُّ قَدْ يُرَادُ بِهِ الثَّابِتُ الْمُقَابِلُ لِلْبَاطِلِ وَلَمَّا كَانَتْ لِجَبْرِ أَلَمِ الْفِرَاقِ وَغَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا لَمْ تَتَأَنَّسْ بِالزَّوْجِ حَتَّى تَتَأَلَّمَ قَالَ: (وَ) الْمُطَلَّقَةُ (الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا) الزَّوْجُ (وَ) الْحَالُ أَنَّهُ (قَدْ فَرَضَ لَهَا) صَدَاقًا (فَلَا مُتْعَةَ لَهَا) لِأَنَّ الْغَالِبَ عَدَمُ تَأَلُّمِهَا بِفِرَاقِهِ، أَوْ لِأَنَّهَا أَخَذَتْ نِصْفَ صَدَاقِهَا مَعَ بَقَاءِ سِلْعَتِهَا، وَمَفْهُومُ فَرَضَ لَهَا أَنَّ الْمَنْكُوحَةَ تَفْوِيضًا إذَا طَلُقَتْ قَبْلَ الْفَرْضِ لَهَا الْمُتْعَةُ وَهُوَ كَذَلِكَ.
(وَلَا) مُتْعَةَ أَيْضًا (لِلْمُخْتَلِعَةِ) وَلَوْ كَانَ الْعِوَضُ مِنْ غَيْرِهَا، لِأَنَّ الْغَالِبَ رِضَاهَا بِالْفِرَاقِ فَلَا تَأَلُّمَ عِنْدَهَا، وَمِثْلُهَا الْمُخَيَّرَةُ وَالْمُمَلَّكَةُ وَالْمُعْتَقَةُ تَحْتَ الْعَبْدِ تَخْتَارُ الْفِرَاقَ، أَوْ الَّتِي مَلَكَتْ زَوْجَهَا أَوْ مَلَكَهَا، أَوْ الَّتِي اخْتَارَتْ فِرَاقَ زَوْجِهَا لِعَيْبِهِ وَأَوْلَى وَلَوْ اخْتَارَ فِرَاقَهَا لِعَيْبِهَا لِأَنَّهَا غَارَّةٌ، بِخِلَافِ الَّتِي اخْتَارَتْ فِرَاقَهُ لِتَزْوِيجٍ عَلَيْهَا أَوْ لِعِلْمِهَا بِوَاحِدَةٍ فَأَلْفَتْ أَكْثَرَ فَإِنَّ لَهَا الْمُتْعَةَ لِأَنَّ الطَّلَاقَ بِسَبَبِهِ
وَلَمَّا كَانَ الصَّدَاقُ الَّذِي يَتَشَطَّرُ بِالطَّلَاقِ وَيَتَقَرَّرُ بِالْمَوْتِ إنَّمَا هُوَ الْمَفْرُوضُ قَالَ: (وَإِنْ مَاتَ) الزَّوْجُ (عَنْ) زَوْجَتِهِ (الَّتِي) نَكَحَهَا تَفْوِيضًا وَمَاتَ وَ (لَمْ يَفْرِضْ لَهَا) صَدَاقًا رَضِيَتْ بِهِ (وَ) الْحَالُ أَنَّهَا (لَمْ يَبْنِ بِهَا فَلَهَا الْمِيرَاثُ) لِاسْتِحْقَاقِهَا إيَّاهُ بِالْعَقْدِ وَلَوْ فَاسِدًا حَيْثُ