للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِعِتْقِ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ سَلِيمَةٍ مِنْ الْعُيُوبِ لَيْسَ فِيهَا شِرْكٌ وَلَا طَرَفٌ مِنْ حُرِّيَّةٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ صَامَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَطْعَمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا مُدَّيْنِ لِكُلِّ مِسْكِينٍ.

وَلَا يَطَؤُهَا فِي لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْكَفَّارَةُ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَلْيَتُبْ

ــ

[الفواكه الدواني]

بِهِ، قَالَ: فَإِنِّي سَأُعِينُهُ بِعَرَقٍ مِنْ تَمْرٍ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَنَا سَأُعِينُهُ بِعَرَقٍ آخَرَ، قَالَ: قَدْ أَحْسَنْت فَاذْهَبِي وَأَطْعِمِي سِتِّينَ مِسْكِينًا وَارْجِعِي لِابْنِ عَمِّك» .

وَالْعَرَقُ بِالتَّحْرِيكِ سِتَّةَ عَشَرَ رِطْلًا، وَبِالتَّسْكِينِ سَبْعُمِائَةٍ وَعِشْرُونَ رِطْلًا، وَسُمِّيَ ظِهَارًا لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ الظَّهْرِ، لِأَنَّ الْوَطْءَ رُكُوبٌ وَالرُّكُوبُ إنَّمَا يَكُونُ غَالِبًا عَلَى الظَّهْرِ، وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى بَيَانِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَمَنْ تَظَاهَرَ) مِنْ الْأَزْوَاجِ أَوْ السَّادَاتِ الْمُسْلِمِينَ الْمُكَلَّفِينَ (مِنْ امْرَأَتِهِ) وَلَوْ الْمُطَلَّقَةَ طَلَاقًا رَجْعِيًّا أَوْ مِنْ أَمَتِهِ وَلَوْ مُدَبَّرَةً أَوْ أُمِّ وَلَدٍ وَنَوَى الْعُودَ لِوَطْئِهَا (فَلَا يَطَؤُهَا) وَلَا يَسْتَمْتِعُ بِهَا (حَتَّى يُكَفِّرَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: ٣] وَمَعْنَى الْمُظَاهَرَةِ أَنْ يُشَبِّهَ مَنْ تَحِلُّ كَزَوْجَتِهِ أَوْ أَمَتِهِ بِمَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ أَبَدًا بِأَنْ يَقُولَ لَهَا: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، أَوْ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ الدَّابَّةِ، وَقَوْلُهُ فِي الْآيَةِ: {مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة: ٣] لَا مَفْهُومَ لَهُ، وَقَوْلُهُ فِيهَا: {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} [المجادلة: ٣] الْمُرَادُ لِنَقِيضِ مَا قَالُوا، لِأَنَّ الَّذِي قَالُوهُ التَّحْرِيمُ وَنَقِيضُهُ التَّحْلِيلُ، وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ بَدَلَ قَوْلِهِ فَلَا يَطَؤُهَا فَلَا يَمَسُّهَا لَفُهِمَ الْوَطْءُ بِالْأُولَى، وَلِذَا قَالَ خَلِيلٌ: وَحَرُمَ قَبْلَهَا الِاسْتِمْتَاعُ وَعَلَيْهَا مَنْعُهُ وَوَجَبَ إنْ خَافَتْهُ رَفْعُهَا لِلْحَاكِمِ، وَجَازَ كَوْنُهُ مَعَهَا إنْ أَمِنَ، وَيَلْزَمُهَا خِدْمَتُهُ قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْهَا بِشَرْطِ الِاسْتِتَارِ بِغَيْرِ وَجْهِهَا وَرَأْسِهَا وَأَطْرَافِهَا لِجَوَازِ نَظَرِهِ لِهَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ بِغَيْرِ لَذَّةٍ، وَإِنَّمَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِالْعَوْدِ وَتَتَحَتَّمُ بِالْوَطْءِ وَلَا يُجْزِئُ إخْرَاجُهَا قَبْلَ الْعُودِ، وَهُوَ الْعَزْمُ عَلَى الْوَطْءِ أَوْ مَعَ نِيَّةِ الْإِمْسَاكِ.

(بِعِتْقِ رَقَبَةٍ) لَا جَنِينٍ فَلَا يُجْزِئُ وَلَكِنْ يُعْتَقُ بَعْدَ وَضْعِهِ، وَبَيَّنَ وَصْفَهَا اللَّازِمَ بِقَوْلِهِ: (مُؤْمِنَةٍ) لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ الْعِتْقِ الْقُرْبَةُ، وَعِتْقُ الْكَافِرِ يُنَافِيهَا، فَإِنْ قِيلَ الْآيَةُ: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المجادلة: ٣] وَلَمْ يُقَيِّدْهَا بِمُؤْمِنَةٍ، فَالْجَوَابُ: أَنَّ الرَّقَبَةَ قُيِّدَتْ بِالْإِيمَانِ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ فَحُمِلَ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ.

(سَلِيمَةٍ مِنْ الْعُيُوبِ) فَلَا يُجْزِئُ رَقِيقٌ مَقْطُوعُ الْأُصْبُعِ وَلَا أَعْمَى وَلَا أَبْكَمُ، وَلَا مَجْنُونٌ وَإِنْ قَلَّ زَمَنُ جُنُونِهِ، وَلَا مَرِيضٌ مُشْرِفٌ، وَلَا مَقْطُوعُ أُذُنَيْنِ، وَلَا أَصَمُّ، وَلَا ذُو هَرَمٍ وَعَرَجٍ شَدِيدَيْنِ، وَلَا مُجْذَمٌ وَلَا أَبْرَصُ وَلَا أَفْلَجُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ ذِي الْعُيُوبِ الْمُنَقِّصَةِ نَقْصًا مُتَفَاحِشًا، بِخِلَافِ ذِي الْمَرَضِ الْخَفِيفِ أَوْ الْعَرَجِ الْخَفِيفِ أَوْ الْعَوَرِ.

(وَلَيْسَ فِيهَا شِرْكٌ وَلَا طَرَفٌ مِنْ حُرِّيَّةٍ) فَلَا يُجْزِئُ الرَّقِيقُ الْمُكَاتَبُ أَوْ الْمُدَبَّرُ وَنَحْوُهُمَا مِنْ كُلِّ مَا فِيهِ شَائِبَةُ حُرِّيَّةٍ أَوْ اُشْتُرِيَ لِلْعِتْقِ، لِأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الرَّقَبَةُ مُحَرَّرَةً لِأَجْلِ الظِّهَارِ، لَا إنْ اشْتَرَى مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ كَأَصْلِهِ أَوْ فَرْعِهِ، وَلَا الْمُشْتَرَاةُ عَلَى شَرْطِ حُرِّيَّتِهَا بِمُجَرَّدِ الشِّرَاءِ، وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ كَامِلَةً، وَأَنْ تَكُونَ مُحَقَّقَةَ الصِّحَّةِ، لَا إنْ كَانَتْ غَائِبَةً مَقْطُوعَةَ الْخَبَرِ، فَإِنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُتَّصِفَةً بِتِلْكَ الْأَوْصَافِ أَجْزَأَتْ وَلَوْ كَانَ مُعْسِرًا بِحَيْثُ يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ، وَلَكِنْ كَلَّفَ نَفْسَهُ وَتَدَايَنَهَا فَإِنَّهَا تُجْزِئُهُ، قِيَاسًا عَلَى مَنْ فَرْضُهُ التَّيَمُّمُ فَتَكَلَّفَ الْغُسْلَ، وَكَمَنْ فَرْضُهُ الْجُلُوسُ فَصَلَّى قَائِمًا.

قَالَ خَلِيلٌ: وَلَوْ تَكَلَّفَهُ الْمُعْسِرُ جَازَ، وَيُجْزِئُ عِتْقُ الْغَيْرِ عَنْهُ وَلَوْ لَمْ يَأْذَنْ إنْ عَادَ وَرَضِيَهُ، وَلَمَّا كَانَتْ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ كَكَفَّارَةِ الْقَتْلِ مُرَتَّبَةً بِنَصِّ الْقُرْآنِ قَالَ: (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ) عِنْدَهُ رَقَبَةً تُجْزِئُ وَلَا ثَمَنَهَا (صَامَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ) وَيَنْوِي تَتَابُعَهُمَا وَيَنْوِي بِهِمَا الْكَفَّارَةَ.

قَالَ خَلِيلٌ: يَنْوِي التَّتَابُعَ وَالْكَفَّارَةَ فَإِنْ ابْتَدَأَهُمَا بِالْهِلَالِ اكْتَفَى بِهِمَا وَإِنْ كَانَا نَاقِصَيْنِ، وَإِنْ ابْتَدَأَ الصَّوْمَ مِنْ أَثْنَاءِ شَهْرٍ صَحَّ وَتَمَّمَ الْمُنْكَسِرُ مِنْ الثَّالِثِ، وَشَرْطُ صِحَّةِ الصَّوْمِ الْعَجْزُ عَنْ الْعِتْقِ وَقْتَ الْأَدَاءِ أَيْ إخْرَاجِ الْكَفَّارَةِ، فَلَا يُجْزِئُ الصَّوْمُ مِنْ قَادِرٍ عَلَى الرَّقَبَةِ، وَأَنْ يَمْلِكَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ لِكَمَرَضٍ أَوْ مَنْصِبٍ أَوْ بِمِلْكِ رَقَبَةٍ فَقَطْ ظَاهَرَ مِنْهَا فَيُعْتِقُهَا عَنْ ظِهَارِهِ مِنْهَا وَيَتَزَوَّجُهَا بَعْدَ عِتْقِهَا مِنْ غَيْرِ كَفَّارَةٍ، فَإِنْ قِيلَ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَظَاهِرِ الْمَالِكِ لِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لَا يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ، وَعَادِمِ الْمَاءِ الْوَاجِدِ لِثَمَنِهِ لَكِنْ يَحْتَاجُ إلَيْهِ يُجْزِئُهُ التَّيَمُّمُ مَعَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَطَ الْعَدَمَ فِي كُلٍّ حَيْثُ قَالَ فِي التَّيَمُّمِ: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} [المائدة: ٦] وَقَالَ فِي الظِّهَارِ: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ} [المجادلة: ٤] قِيلَ: الْفَرْقُ أَنَّ الْمَظَاهِرَ فَعَلَ كَبِيرَةً بِارْتِكَابِهِ الظِّهَارَ فَشُدِّدَ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ الْغَالِبُ فِيهِ فَقْدُ الْمَاءِ لِضَرُورَةِ سَفَرٍ أَوْ مَرَضٍ، وَأَيْضًا تَكَرُّرُ الْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ أَوْجَبَ التَّخْفِيفَ.

(تَنْبِيهٌ) لَمْ يُنَبِّهْ الْمُصَنِّفُ عَلَى حُكْمِ مَا إذَا حَصَلَ لَهُ الْيَسَارُ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الصَّوْمِ، وَنَبَّهَ عَلَيْهِ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ أَيْسَرَ فِيهِ تَمَادَى إلَّا أَنْ يُفْسِدَهُ فَيَتَعَيَّنَ الْعِتْقُ، وَنُدِبَ الْعِتْقُ فِي كَالْيَوْمَيْنِ وَنَحْوِهِمَا، وَإِنْ حَصَلَ لَهُ الْيَسَارُ بَعْدَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يُنْدَبْ لَهُ الرُّجُوعُ إلَى الْعِتْقِ بَلْ يَجُوزُ لَهُ، وَمِثْلُ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ فِي ذَلِكَ كَفَّارَةُ الْقَتْلِ، بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ لِغِلَظِ أَمْرِهِمَا (فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ) الْمَظَاهِرُ التَّكْفِيرَ بِالصَّوْمِ لِمَرَضٍ وَنَحْوِهِ (أَطْعَمَ) أَيْ مَلَّكَ (سِتِّينَ مِسْكِينًا) أَحْرَارًا مُسْلِمِينَ وَمَفْعُولُ أَطْعَمَ الثَّانِي (مُدَّيْنِ لِكُلِّ مِسْكِينٍ)

<<  <  ج: ص:  >  >>