للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَالشَّهْرِ وَنَحْوِهِ وَقِيلَ وَالشَّهْرَيْنِ وَلَوْ فُصِلَ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ فِصَالًا اسْتَغْنَى فِيهِ بِالطَّعَامِ لَمْ يُحَرِّمْ مَا أُرْضِعَ بَعْدَ ذَلِكَ وَيُحَرِّمُ بِالْوَجُورِ وَالسَّعُوطِ.

وَمَنْ أَرْضَعَتْ صَبِيًّا فَبَنَاتُ تِلْكَ الْمَرْأَةِ وَبَنَاتُ فَحْلِهَا مَا تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ إخْوَةٌ لَهُ وَلِأَخِيهِ نِكَاحُ بَنَاتِهَا

ــ

[الفواكه الدواني]

وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» لَا تَحْدِيدَ فِيهِ بِعَشْرٍ وَلَا خَمْسِ رَضَعَاتٍ، وَمَا وَرَدَ مِنْ التَّحْدِيدِ فَمَنْسُوخٌ بِمَا قَدَّمْنَا.

(تَنْبِيهٌ) لَمْ يُقَيِّدْ الْمُصَنِّفُ صَاحِبَةَ اللَّبَنِ بِكَوْنِهَا حَيَّةً أَوْ مَيِّتَةً، إشَارَةً أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَيَّةِ وَالْمَيِّتَةِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الْآيَةِ: {أَرْضَعْنَكُمْ} [النساء: ٢٣] فَبِالنَّظَرِ إلَى الْغَالِبِ، فَإِذَا شَرِبَ الصَّغِيرُ لَبَنَ الْمَيِّتَةِ أَوْ النَّائِمَةِ صَارَ ابْنًا لَهَا فَلَا يَتَزَوَّجُ أُصُولَهَا وَلَا فُرُوعَهَا، وَلَمْ يُقَيِّدْهَا أَيْضًا بِكَوْنِهَا آدَمِيَّةً، مَعَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ كَمَا قَدَّمْنَا عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ، وَالْآيَةُ وَالْأَحَادِيثُ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ. فَلَوْ ارْتَضَعَ صَغِيرَانِ عَلَى بَهِيمَةٍ فَلَا يَحْرُمُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ، وَلَمْ يُقَيِّدْ أَيْضًا ذَاتَ اللَّبَنِ بِكَوْنِهَا كَبِيرَةً أَوْ ذَاتَ زَوْجٍ لِلْإِشَارَةِ إلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ.

قَالَ خَلِيلٌ: حُصُولُ لَبَنِ امْرَأَةٍ وَإِنْ مَيِّتَةً أَوْ صَغِيرَةً وَلَوْ غَيْرَ مُطِيقَةٍ، إلَى قَوْلِهِ: مُحَرِّمٌ، ثُمَّ أَشَارَ إلَى مَفْهُومِ قَوْلِهِ فِي الْحَوْلَيْنِ بِقَوْلِهِ: (وَلَا يُحَرِّمُ مَا) أَيْ اللَّبَنُ الَّذِي (أُرْضِعَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَنَائِبُ الْفَاعِلِ عَلَى ضَمِيرِ مَا (بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ إلَّا) مَا رَضَعَهُ فِي (مَا قَرُبَ مِنْهُمَا كَالشَّهْرِ وَنَحْوِهِ) فَإِنَّهُ لَا يُحَرِّمُ (وَقِيلَ وَالشَّهْرَيْنِ) وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ خَلِيلٌ، لِأَنَّهُ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَشَرْطُ التَّحْرِيمِ بِالرَّضْعِ مُطْلَقًا عَدَمُ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ بِالطَّعَامِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: (وَلَوْ فُصِلَ) أَوْ مُنِعَ الرَّضِيعُ مِنْ لَبَنِ أُمِّهِ (قَبْلَ) تَمَامِ (الْحَوْلَيْنِ فِصَالًا) بَيِّنًا بِحَيْثُ (اسْتَغْنَى فِيهِ) الرَّضِيعُ (بِالطَّعَامِ) عَنْ اللَّبَنِ بِحَيْثُ لَا يَتَضَرَّرُ بِتَرْكِ اللَّبَنِ (لَمْ يُحَرِّمْ مَا) أَيْ اللَّبَنُ الَّذِي (اُرْتُضِعَ) بِلَفْظِ الْمَجْهُولِ (بَعْدَ ذَلِكَ) قَالَ الْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ: إنْ حَصَلَ فِي الْحَوْلَيْنِ أَوْ زِيَادَةِ الشَّهْرَيْنِ إلَّا أَنْ يَسْتَغْنِيَ وَلَوْ فِيهِمَا، فَلَا تَحْرِيمَ بِالرَّضَاعِ بَعْدَ الِاسْتِغْنَاءِ إلَّا أَنْ يَكُونَ زَمَانُ الرَّضَاعِ قَرِيبًا مِنْ زَمَنِ الْفِطَامِ بِنَحْوِ الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ فَإِنَّهُ يُحَرِّمُ، وَلِأَنَّهُ لَوْ أُعِيدَ لِلرَّضَاعِ لَكَانَ قُوَّةً فِي غِذَائِهِ، وَلِذَلِكَ قَالَ الْمُصَنِّفُ: فِصَالًا بَيِّنًا.

(تَنْبِيهٌ) لَوْ تَنَازَعَتْ الْأُمُّ مَعَ الْأَبِ فِي فِطَامِ الصَّغِيرِ لَمْ يُلْتَفَتْ لِمَنْ أَرَادَ الْفِطَامَ لِأَنَّ الْحَقَّ فِيهِ لِلْأَبَوَيْنِ مَعًا، فَلَوْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا ذَلِكَ وَامْتَنَعَ الْآخَرُ لَمْ يُلْتَفَتْ لَهُ وَلَا بُدَّ مِنْ رِضَاهُمَا مَعًا.

قَالَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي أَحْكَامِهِ.

قَالَهُ التَّتَّائِيُّ فِي شَرْحِ خَلِيلٍ، وَلَمَّا كَانَ الرَّضَاعُ عُرْفًا شُرْبَ الْوَلَدِ بِفَمِهِ وَكَانَ التَّحْرِيمُ يَحْصُلُ بِوُصُولِهِ إلَى الْجَوْفِ وَلَوْ مِنْ الْأَنْفِ أَوْ مِنْ الدُّبُرِ قَالَ: (وَيُحَرِّمُ) اللَّبَنُ الْوَاصِلُ إلَى الْجَوْفِ (بِالْوَجُورِ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَضَمِّ الْجِيمِ وَهُوَ الصَّبُّ فِي الْحَلْقِ. (وَالسَّعُوطِ) بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ الصَّبُّ فِي الْأَنْفِ.

قَالَ خَلِيلٌ: حُصُولُ لَبَنِ امْرَأَةٍ وَإِنْ مَيِّتَةً أَوْ صَغِيرَةً بِوَجُورٍ أَوْ سَعُوطٍ أَوْ حُقْنَةٍ تَكُونُ غِذَاءً أَوْ خَلْطُ الْأَغْلَبِ وَلَا كَمَاءٍ أَصْفَرَ، إلَى قَوْلِهِ مُحَرِّمًا مَا حَرَّمَ النَّسَبُ إلَّا مَا اُسْتُثْنِيَ، وَتَوَقَّفَ الْعَلَّامَةُ الْأُجْهُورِيُّ فِي الْأَصْلِ إلَى الْجَوْفِ مِنْ ثُقْبَةٍ تَحْتَ الْمَعِدَةِ وَفَوْقَهَا وَيَظْهَرُ لِي التَّحْرِيمُ، لِأَنَّ الثُّقْبَةَ النَّافِذَةَ إلَى مَحَلِّ الْغِذَاءِ تُشْبِهُ الدُّبُرَ، وَالْوَاصِلُ مِنْهُ إلَى مَحَلِّ الْغِذَاءِ مُحَرِّمٌ، لِأَنَّهُمْ عَوَّلُوا عَلَى الْوُصُولِ إلَى الْجَوْفِ مِنْ غَيْرِ الْأُذُنِ وَالْعَيْنِ وَحَرِّرْ الْمَسْأَلَةَ، نَعَمْ جَرَى التَّرَدُّدُ فِي الْحَاصِلِ بِالْحُقْنَةِ هَلْ يُشْتَرَطُ حُصُولُ الْغِذَاءِ مِنْهُ بِالْفِعْلِ أَوْ لَا؟ وَكَلَامُ خَلِيلٍ يَقْتَضِي اشْتِرَاطَ ذَلِكَ، وَكَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ لَا، وَيَظْهَرُ لِي مِنْ التَّحْرِيمِ بِالْمَصَّةِ رُجْحَانُ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَوَقَعَ التَّوَقُّفُ فِي لَبَنِ الْخُنَثِي الْمُشْكِلِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُحَرِّمُ قِيَاسًا عَلَى مَنْ تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ، قَالَهُ التَّتَّائِيُّ فِي شَرْحِ خَلِيلٍ.

(تَنْبِيهٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ تَحْرِيمَ الرَّضَاعِ مِثْلُ تَحْرِيمِ الْوِلَادَةِ، وَيَحْرُمُ لَهُ مِثْلُ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ إلَّا مَا اُسْتُثْنِيَ مِنْ نَحْوِ أُمِّ أَخِيك الْمُشَارِ إلَيْهَا بِقَوْلِ خَلِيلٍ: إلَّا أُمَّ أَخِيك وَأُخْتِك، أَوْ أُمَّ وَلَدِك وَجَدَّةَ وَلَدِك وَأُخْتَ وَلَدِك وَأُمَّ عَمِّك وَعَمَّتِك وَأُمَّ خَالِك وَخَالَتِك فَقَدْ لَا يَحْرُمْنَ مِنْ الرَّضَاعِ، قَالَ بَعْضُ شُرَّاحِهِ: وَقَدْ فِي كَلَامِهِ لِلتَّحْقِيقِ وَنَاقَشَهُ بَعْضٌ، رَاجِعْ الْأُجْهُورِيُّ

(وَمَنْ أَرْضَعَتْ) مِنْ الْآدَمِيَّاتِ (صَبِيًّا) لَمْ يَسْتَغْنِ عَنْ اللَّبَنِ. (فَبَنَاتُ تِلْكَ الْمَرْأَةِ) وَلَوْ مِنْ زَوْجٍ غَيْرِ فَحْلِهَا الْيَوْمَ (وَبَنَاتُ فَحْلِهَا) الْيَوْمَ الَّذِي حَصَلَ فِيهِ الرَّضَاعُ بِلَبَنِهِ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ تِلْكَ الْمَرْأَةِ الْمُرْضِعَةِ. (مَا تَقَدَّمَ) عَلَى رَضَاعِهِ (أَوْ تَأَخَّرَ) عِنْدَ الْجَمِيعِ (أُخُوَّةٌ لَهُ) أَيْ لِهَذَا الصَّبِيِّ، وَاعْلَمْ أَنَّ أُصُولَ التَّحْرِيمِ بِالرَّضَاعِ ثَلَاثَةٌ: الرَّضِيعُ وَالْمُرْضِعَةُ وَفَحْلُهَا، وَإِنْ كَانَ الرَّضِيعُ ذَكَرًا حُرِّمَتْ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا أُمُّهُ مِنْ الرَّضَاعِ وَجَمِيعُ أَقَارِبِهَا إلَّا بَنَاتَ إخْوَتِهَا وَأَخَوَاتِهَا لِأَنَّهُنَّ بَنَاتُ خَالَاتٍ وَبَنَاتُ أَخْوَالٍ، وَكَذَلِكَ يَحْرُمُ عَلَيْهِ جَمِيعُ أَقَارِبِ الزَّوْجِ صَاحِبِ اللَّبَنِ إلَّا بَنَاتَ إخْوَتِهِ وَأَخَوَاتِهِ لِأَنَّهُنَّ بَنَاتُ أَعْمَامٍ وَعَمَّاتٍ، وَإِنْ كَانَ الرَّضِيعُ أُنْثَى حُرِّمَتْ عَلَى أَقَارِبِ الْمُرْضِعَةِ إلَّا بَنِي إخْوَتِهَا وَأَخَوَاتُهَا، وَكَذَا تَحْرُمُ عَلَى أَقَارِبِ الزَّوْجِ إلَّا عَلَى بَنِي إخْوَتِهِ وَأَخَوَاتِهِ، وَتَحْرُمُ الرَّضِيعَةُ عَلَى صَاحِبِ اللَّبَنِ وَمَا تَنَاسَلَ مِنْهَا لِأَنَّهَا بِنْتُهُ، وَمَا يَتَنَاسَلُ مِنْهَا حَفَدَةٌ، وَمِنْ الْأُصُولِ الثَّلَاثَةِ تَنْتَشِرُ الْحُرْمَةُ إلَى الْأَطْرَافِ، ثُمَّ يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ، بَيَانُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>