بَابٌ فِي الْعِدَّةِ وَالنَّفَقَةِ وَالِاسْتِبْرَاءِ وَعِدَّةِ الْحُرَّةِ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثَةُ قُرُوءٍ كَانَتْ مُسْلِمَةً أَوْ كِتَابِيَّةً.
وَالْأَمَةُ وَمَنْ فِيهَا بَقِيَّةُ رِقٍّ قُرْءَانِ كَانَ الزَّوْجُ فِي جَمِيعِهِنَّ حُرًّا أَوْ عَبْدًا وَالْأَقْرَاءُ هِيَ الْأَطْهَارُ الَّتِي بَيْنَ الدَّمَيْنِ.
فَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَمْ تَحِضْ أَوْ مِمَّنْ قَدْ يَئِسَتْ مِنْ الْمَحِيضِ فَثَلَاثَةُ
ــ
[الفواكه الدواني]
(بَابٌ فِي) بَيَانُ أَحْكَامِ (الْعِدَّةِ) وَقَدْرِهَا، وَمَنْ تَلْزَمُهَا، وَمَنْ لَا تَلْزَمُهَا، وَمَا يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ تَرْكُهُ زَمَنَهَا. وَحَقِيقَتُهَا كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: مُدَّةُ مَنْعِ النِّكَاحِ لِفَسْخِهِ أَوْ مَوْتِ الزَّوْجِ أَوْ طَلَاقِهِ، وَالْمُرَادُ مَنْعُ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ مُدَّةَ مَنْعِ مَنْ طَلَّقَ رَابِعَةً مِنْ نِكَاحِ غَيْرِهَا لَا يُقَالُ لَهُ عِدَّةٌ لَا لُغَةً وَلَا شَرْعًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ مِنْ النِّكَاحِ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ كَزَمَنِ الْإِحْرَامِ أَوْ الْمَرَضِ، وَلَا يُقَالُ فِيهِ: إنَّهُ مُعْتَدٍ (وَ) فِي بَيَانِ أَحْكَامِ (النَّفَقَةِ) وَهِيَ مَا بِهِ قَوَامُ مُعْتَادِ حَالِ الْآدَمِيِّ دُونَ سَرَفٍ.
(وَ) فِي بَيَانِ (الِاسْتِبْرَاءِ) وَهُوَ فِي اللُّغَةِ الِاسْتِقْصَاءُ وَالْبَحْثُ عَنْ كُلِّ أَمْرٍ غَامِضٍ، وَشَرْعًا الْكَشْفُ عَنْ حَالِ الْأَرْحَامِ عِنْدَ انْتِقَالِ الْأَمْلَاكِ مُرَاعَاةً لِحِفْظِ الْأَنْسَابِ. وَأَسْبَابُ الْعِدَّةِ ثَلَاثَةٌ: مَوْتٌ أَوْ طَلَاقٌ أَوْ فَسْخٌ، كَمَا أَنَّ أَنْوَاعَهَا ثَلَاثَةٌ أَقْرَاءٌ وَشُهُورٌ وَوَضْعُ حَمْلٍ. وَبَدَأَ بِالنَّوْعِ الْأَوَّلِ فَقَالَ: (وَعِدَّةُ الْحُرَّةِ) الْبَالِغِ غَيْرِ الْحَامِلِ (الْمُطَلَّقَةِ) بَعْدَ خَلْوَةِ زَوْجِهَا الْبَالِغِ غَيْرِ الْمَجْبُوبِ خَلْوَةً يُمْكِنُ وَطْؤُهَا فِيهَا (ثَلَاثَةُ قُرُوءٍ) جَمْعُ قَرْءٍ بِفَتْحِ الْقَافِ أَيْ أَطْهَارٍ، وَتَحِلُّ لِغَيْرِ الْمُطَلِّقِ بِأَوَّلِ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ إنْ طَلُقَتْ فِي طُهْرٍ، أَوْ الرَّابِعَةِ إنْ طَلُقَتْ فِي حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ، وَلَكِنْ تُسْتَحَبُّ لَهَا أَنْ لَا تَتَعَجَّلَ بِالْعَقْدِ بِمُجَرَّدِ رُؤْيَةِ الدَّمِ الثَّالِثِ أَوْ الرَّابِعِ، بَلْ حَتَّى يَمْضِيَ يَوْمٌ أَوْ بَعْضُهُ؛ لِعَدَمِ الِاكْتِفَاءِ فِي الْعِدَّةِ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ.
وَلَا يُقَالُ: مُقْتَضَى التَّعْلِيلِ وُجُوبُ التَّأْخِيرِ وَعَدَمُ الْحِلِّ بِمُجَرَّدِ رُؤْيَةِ الدَّمِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: الْأَصْلُ الِاسْتِمْرَارُ وَعَدَمُ الِانْقِطَاعِ قَبْلَ مُضِيِّ يَوْمٍ أَوْ بَعْضِهِ، وَقَيَّدْنَا الْحُرَّةَ بِالْبَالِغِ لِقَوْلِهِ ثَلَاثُ أَقْرَاءٍ، وَبِغَيْرِ الْحَامِلِ؛ لِأَنَّ عِدَّتَهَا وَضْعُ حَمْلِهَا كَمَا يَأْتِي، وَبِالزَّوْجِ الْبَالِغِ؛ لِأَنَّ زَوْجَةَ الصَّبِيِّ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا فِي الطَّلَاقِ بِخِلَافِ الْمَوْتِ، وَبِغَيْرِ الْمَجْبُوبِ؛ لِأَنَّ زَوْجَتَهُ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا مِنْ طَلَاقِهِ كَالْمُطَلَّقَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَقِيلَ: عَلَيْهَا الْعِدَّةُ إنْ كَانَ يُعَالِجُ وَيُنْزِلُ، وَعَلَى الْأَوَّلِ خَلِيلٌ، وَعَلَى الثَّانِي عِيَاضٌ، وَإِلَى هَذِهِ الْقُيُودِ أَشَارَ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: تَعْتَدُّ حُرَّةٌ وَإِنْ كِتَابِيَّةً بِخَلْوَةِ بَالِغٍ غَيْرِ مَجْبُوبٍ أَمْكَنَ شَغْلُهَا مِنْهُ إنْ نَفَيَاهُ. وَأَمَّا مَقْطُوعُ الْأُنْثَيَيْنِ قَائِمُ الذَّكَرِ فَيَجِبُ عَلَى زَوْجَتِهِ الْعِدَّةُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ شُرَّاحِ خَلِيلٍ، وَإِذَا وُجِدَتْ هَذِهِ الْقُيُودُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْعِدَّةِ سَوَاءٌ (كَانَتْ) تِلْكَ الْحُرَّةُ الْمُطَلَّقَةُ (مُسْلِمَةً أَوْ كِتَابِيَّةً) طَلَّقَهَا زَوْجُهَا الْمُسْلِمُ أَوْ أَرَادَ مُسْلِمٌ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا.
(وَ) أَمَّا عِدَّةُ الزَّوْجَةِ الْمُطَلَّقَةِ (الْأَمَةُ وَ) كُلُّ (مَنْ فِيهَا بَقِيَّةُ رِقٍّ) كَمُبَعَّضَةٍ وَأَوْلَى الْمُكَاتَبَةُ وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرَةُ فَهِيَ (قَرْءَانِ) بِفَتْحِ الْقَافِ أَيْ طُهْرَانِ، فَتَحِلُّ بِأَوَّلِ الْحَيْضَةِ الثَّانِيَةِ إنْ طَلُقَتْ فِي طُهْرٍ، أَوْ الثَّالِثَةِ إنْ طَلُقَتْ فِي حَيْضٍ، وَإِنَّمَا اعْتَدَّتْ بِقَرْأَيْنِ مَعَ أَنَّ الرَّقِيقَ عَلَى النِّصْفِ؛ لِأَنَّ الْقَرْءَ لَا يَتَبَعَّضُ وَسَوَاءٌ (كَانَ الزَّوْجُ فِي جَمِيعِهِنَّ) أَيْ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ الْقِنِّ، وَمَنْ فِيهَا بَقِيَّةُ رِقٍّ (حُرًّا أَوْ عَبْدًا) لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْعِدَّةِ بِالْمَرْأَةِ، وَفِي الطَّلَاقِ بِالزَّوْجِ، وَالْفَرْقُ وَاضِحٌ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ مِنْ الْمَرْأَةِ وَالطَّلَاقَ مِنْ الزَّوْجِ. ثُمَّ فَسَّرَ الْأَقْرَاءَ بِقَوْلِهِ: (وَالْأَقْرَاءُ) مَعْنَاهُ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَجَمْعٍ مِنْ الصَّحَابَةِ (هِيَ الْأَطْهَارُ الَّتِي) تَحْصُلُ (بَيْنَ الدَّمَيْنِ) خِلَافًا لِمَنْ أَرَادَ بِهَا الْحَيْضَ، وَكَانَ الْأَنْسَبُ بِلَفْظِ الْأَقْرَاءِ الدِّمَاءَ؛ لِأَنَّ الَّذِي بَيْنَ الدَّمَيْنِ قَرْءٌ وَاحِدٌ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْأَقْرَاءِ، وَلَوْ كَانَتْ عَادَتُهَا الْحَيْضَ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً أَوْ تَأَخَّرَ حَيْضُهَا لِرَضَاعٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ اسْتِحَاضَةٍ وَهُوَ كَذَلِكَ، حَيْثُ كَانَتْ تُمَيِّزُ دَمَ الِاسْتِحَاضَةِ مِنْ غَيْرِهِ، وَإِلَّا كَانَتْ مُرْتَابَةً، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهَا.
(تَنْبِيهٌ) . مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ الْأَقْرَاءَ هِيَ الْأَطْهَارُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ إشْكَالٌ لَا يَتَوَجَّهُ عَلَى مَنْ فَسَّرَهَا بِالدِّمَاءِ وَهُوَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَبَيَانُ الْإِشْكَالِ أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهَا حِلُّهَا قَبْلَ الثَّلَاثَةِ أَقْرَاءٍ إذَا كَانَ طَلَاقُهَا فِي آخِرِ طُهْرٍ؛ لِأَنَّهَا تَحِلُّ بِأَوَّلِ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ، وَالْمُنْقَضِي طُهْرَانِ وَبَعْضُ طُهْرٍ، وَأُجِيبَ عَنْ هَذَا الْإِشْكَالِ بِأَنَّ الْجَمْعَ قَدْ أُطْلِقَ فِي كَلَامِهِ - تَعَالَى - عَلَى مُعْظَمِ الْمُدَّةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute