للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا لَمْ تَرْتَبْ الْكَبِيرَةُ ذَاتُ الْحَيْضِ بِتَأْخِيرِهِ عَنْ وَقْتِهِ فَتَقْعُدُ حَتَّى تَذْهَبَ الرِّيبَةُ.

وَأَمَّا الَّتِي لَا تَحِيضُ لِصِغَرٍ أَوْ كِبَرٍ وَقَدْ بُنِيَ بِهَا فَلَا تُنْكِحُ فِي الْوَفَاةِ إلَّا بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ.

وَالْإِحْدَادُ أَنْ لَا تَقْرَبَ الْمُعْتَدَّةُ مِنْ الْوَفَاةِ شَيْئًا مِنْ الزِّينَةِ بِحُلِيٍّ أَوْ كُحْلٍ أَوْ غَيْرِهِ وَتَجْتَنِبَ الصِّبَاغَ كُلَّهُ إلَّا الْأَسْوَدَ وَتَجْتَنِبَ الطِّيبَ كُلَّهُ وَلَا تَخْتَضِبَ بِحِنَّاءٍ وَلَا تَقْرَبُ دُهْنًا مُطَيِّبًا وَلَا تَمْتَشِطُ

ــ

[الفواكه الدواني]

مُكْثُهَا ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ عِنْدَ عَدَمِ الْحَيْضِ مِنْ الْمَدْخُولِ بِهَا، وَإِنْ تَمَّتْ قَبْلَ زَمَنِ حَيْضَتِهَا، بِخِلَافِ الْحُرَّةِ لِقِصَرِ مُدَّةِ عِدَّةِ الْأَمَةِ فَلَا يَظْهَرُ الْحَمْلُ فِيهَا قَالَهُ بَعْضُ الشُّيُوخِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَتَنَصَّفَتْ بِالرِّقِّ، وَإِنْ لَمْ تَحِضْ فَثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ إلَّا أَنْ تَرْتَابَ فَتِسْعَةٌ، وَمُقْتَضَى كَلَامِ خَلِيلٍ أَنَّ ذَاتَ الْحَيْضِ الْمَدْخُولَ بِهَا إنْ لَمْ تَحِضْ دَاخِلَهَا تَمْكُثُ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ، سَوَاءٌ تَمَّتْ قَبْلَ زَمَنِ حَيْضَتِهَا أَمْ لَا، وَلَوْ تَأَخَّرَ لِرَضَاعٍ أَوْ مَرَضٍ فَرَاجِعْهُ، وَلَمَّا كَانَ حِلُّ الْمُعْتَدَّةِ بِانْقِضَاءِ زَمَنِ عِدَّتِهَا مَشْرُوطًا بِعَدَمِ رِيبَتِهَا قَالَ: (مَا لَمْ تَرْتَبْ الْكَبِيرَةُ ذَاتُ الْحَيْضِ) سَوَاءٌ كَانَتْ حُرَّةً أَوْ أَمَةً (بِتَأْخِيرِهِ عَنْ وَقْتِهِ) ، وَإِلَّا (فَتَقْعُدْ حَتَّى تَذْهَبَ الرِّيبَةُ) إمَّا بِحَيْضَةٍ أَوْ بِتَمَامِ مُضِيِّ التِّسْعَةِ أَشْهُرٍ، هَذَا حُكْمُ الْمُرْتَابَةِ بِتَأَخُّرِ الْحَيْضِ، وَفَرْضُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهَا مَدْخُولٌ بِهَا وَتَأَخَّرَتْ حَيْضَتُهَا عَنْ عَادَتِهَا وَزَوْجُهَا يُولَدُ لَهُ، وَأَمَّا لَوْ كَانَتْ رِيبَتُهَا بِجَسِّ بَطْنٍ فَإِنَّهَا تَمْكُثُ أَقْصَى أَمَدِ الْحَمْلِ أَرْبَعَ أَوْ خَمْسَ سِنِينَ، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ ذَاتَ الرِّيبَةِ تَسْتَوِي فِيهَا الْحُرَّةُ وَالْأَمَةُ.

وَلَمَّا قَدَّمَ حُكْمَ الْأَمَةِ ذَاتِ الْحَيْضِ شَرَعَ فِي حُكْمِ غَيْرِهَا بِقَوْلِهِ: (وَأَمَّا) الزَّوْجَةُ الْأَمَةُ وَلَوْ بِشَائِبَةٍ (الَّتِي لَا تَحِيضُ لِصِغَرٍ أَوْ كِبَرٍ وَ) الْحَالُ أَنَّ الزَّوْجَ كَانَ (قَدْ بَنَى بِهَا فَلَا) يَحِلُّ أَنْ (تُنْكِحَ فِي الْوَفَاةِ إلَّا بَعْدَ) مُضِيِّ (ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ) مِنْ وَفَاةِ زَوْجِهَا عَلَى أَحَدِ أَقْوَالٍ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهَا تَحِلُّ بِمُضِيِّ شَهْرَيْنِ وَخَمْسِ لَيَالٍ بِأَيَّامِهَا كَمَا قَدَّمْنَا، وَأَنَّ الَّتِي يَتَوَقَّفُ حِلُّهَا عَلَى الثَّلَاثَةِ أَشْهُرٍ إنَّمَا هِيَ الَّتِي دَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ الَّذِي يُولَدُ لَهُ، وَهِيَ مِمَّنْ تَحِيضُ، وَلَمْ تَرَ الْحَيْضَ فِي الشَّهْرَيْنِ وَخَمْسِ لَيَالٍ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَتَنَصَّفَتْ بِالرِّقِّ، وَإِنْ لَمْ تَحِضْ فَثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ إلَّا أَنْ تَرْتَابَ فَتِسْعَةٌ، وَأَمَّا إنْ لَمْ تَحِضْ لِصِغَرٍ أَوْ يَأْسٍ أَوْ حَاضَتْ فِيهَا أَوْ كَانَ زَوْجُهَا صَغِيرًا أَوْ مَجْبُوبًا فَإِنَّهَا تَحِلُّ بِمُجَرَّدِ انْقِضَاءِ الشَّهْرَيْنِ وَخَمْسِ لَيَالٍ بِأَيَّامِهَا، فَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ ضَعِيفٌ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ شُرَّاحُ خَلِيلٍ

ثُمَّ شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى تَوَابِعِ الْعِدَّةِ بِقَوْلِهِ: (وَالْإِحْدَادُ) لُغَةً الِامْتِنَاعُ مِنْ حَدَدْت الرَّجُلَ مِنْ كَذَا إذَا مَنَعْتَهُ مِنْهُ وَأَحَدَّتْ الْمَرْأَةُ امْتَنَعَتْ مِنْ الزِّينَةِ، وَمِنْهُ الْحُدُودُ؛ لِأَنَّهَا تَمْنَعُ الْجَانِيَ مِنْ الْعَوْدِ لِمِثْلِ مَا فَعَلَ مِمَّا يُوجِبُ الْحَدَّ، وَأَمَّا فِي الِاصْطِلَاحِ فَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: هُوَ تَرْكُ مَا هُوَ زِينَةٌ وَلَوْ مَعَ غَيْرِهِ، وَفَسَّرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: (أَنْ لَا تَقْرَبَ) الْمَرْأَةُ (الْمُعْتَدَّةُ مِنْ الْوَفَاةِ شَيْئًا مِنْ الزِّينَةِ) قَالَ خَلِيلٌ: وَتَرَكَتْ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا فَقَطْ، وَإِنْ صَغُرَتْ وَلَوْ كِتَابِيَّةً، وَمَفْقُودًا زَوْجُهَا التَّزَيُّنَ بِالْمَصْبُوغِ، وَلَوْ أَدْكَنَ إنْ وَجَدَتْ غَيْرَهُ إلَّا الْأَسْوَدَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى وُجُوبِ الْإِحْدَادِ عَلَى الْمُعْتَدَّةِ مِنْ الْوَفَاةِ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تُحِدُّ امْرَأَةٌ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ إلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، وَلَا تَلْبَسُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا إلَّا ثَوْبَ عَصْبٍ وَلَا تَكْتَحِلُ وَلَا تَمَسُّ طِيبًا إلَّا إذَا طَهُرَتْ نُبْذَةً مِنْ قُسْطٍ أَوْ أَظْفَارٍ» .

قِيلَ: الْعَصْبُ ثِيَابٌ مِنْ الْيَمَنِ فِيهَا بَيَاضٌ وَسَوَادٌ، وَالنُّبْذَةُ بِضَمِّ النُّونِ الْقِطْعَةُ وَالشَّيْءُ الْيَسِيرُ، وَالْقُسْطُ بِضَمِّ الْقَافِ، وَالْأَظْفَارُ نَوْعَانِ مِنْ الْبَخُورِ رَخَّصَ فِيهِ فِي الطُّهْرِ مِنْ الْحَيْضِ لِتَطْهِيرِ الْمَحَلِّ، وَإِزَالَةِ كَرَاهِيَتِهِ، وَلِهَذَا الْحَدِيثِ قَصَرَ مَالِكٌ الْإِحْدَادَ عَلَى عِدَّةِ الْوَفَاةِ، وَحِكْمَةُ مَشْرُوعِيَّتِهِ الْإِبْعَادُ عَمَّا تُرَادُ الْمَرْأَةُ لَهُ صَوْنًا لِلْأَنْسَابِ، وَإِنْ ارْتَابَتْ فَعَلَيْهَا الْإِحْدَادُ حَتَّى تَنْقَضِيَ الرِّيبَةُ، وَصِلَةُ الزِّينَةِ (بِحُلِيٍّ أَوْ كُحْلٍ أَوْ غَيْرِهِ) مِنْ نَحْوِ إزَالَةٍ لِشُعْثٍ.

قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا تَكْتَحِلُ إلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ فَتَسْتَعْمِلُهُ لَيْلًا وَتَمْسَحُهُ نَهَارًا لِمَا فِي الْمُوَطَّإِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِامْرَأَةٍ مُعْتَدَّةٍ اشْتَكَتْ عَيْنُهَا: اكْتَحِلِي بِكُحْلِ الْجَلَاءِ بِاللَّيْلِ وَامْسَحِيهِ نَهَارًا» وَعَيْنُهَا بِضَمِّ النُّونِ فَاعِلُ اشْتَكَتْ؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ لَازِمٌ بِمَعْنَى مَرِضَتْ عَيْنُهَا، وَالْحُلِيُّ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ مُفْرَدٌ فَيَكُونُ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَسُكُونِ اللَّامِ مَعَ تَخْفِيفِ الْيَاءِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ جَمْعٌ فَيَكُونُ بِضَمِّ الْحَاءِ وَكَسْرِ اللَّامِ وَشَدِّ الْيَاءِ جَمْعُ حَلْيٍ وَهُوَ كُلُّ مَا تَتَحَلَّى بِهِ الْمَرْأَةُ مِنْ قُرْطٍ وَسِوَارٍ وَخَاتَمِ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا.

(تَنْبِيهٌ) عُلِمَ مِمَّا قَرَّرْنَا أَنَّ مَعْنَى لَا تَقْرَبُ الزِّينَةَ عَلَى جِهَةِ الْوُجُوبِ، فَإِنْ اسْتَعْمَلَتْ شَيْئًا مِنْ الزِّينَةِ زَمَنَ عِدَّتِهَا عَصَتْ وَوَجَبَ عَلَيْهَا التَّوْبَةُ، وَإِنْ اكْتَفَتْ بِعِدَّتِهَا.

(وَ) يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ (تَجْتَنِبَ) لُبْسَ سَائِرِ الثِّيَابِ الْمَصْبُوغَةِ بِأَيِّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ (الصِّبَاغِ كُلِّهِ إلَّا) الْمَصْبُوغَةَ بِنَوْعِ (الْأَسْوَدِ) فَإِنَّهَا لَا تَجْتَنِبُهُ، وَإِنْ وَجَدَتْ غَيْرَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ زِينَةً لَهَا لِشِدَّةِ بَيَاضِهَا. (وَ) كَذَا يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ (تَجْتَنِبَ الطِّيبَ كُلَّهُ) الْمُذَكَّرَ وَهُوَ مَا يَظْهَرُ لَوْنُهُ وَيَخْفَى أَثَرُهُ كَالْوِرْدِ وَالْيَاسَمِينِ، وَمُؤَنَّثِهِ وَهُوَ مَا يَخْفَى لَوْنُهُ وَتَظْهَرُ رَائِحَتُهُ كَالْمِسْكِ وَالزُّبْدَةِ، وَعَبَّرَ بِتَجْتَنِبُ إشَارَةً لِلتَّعْمِيمِ فَلَا تَتَطَيَّبُ بِهِ وَلَا تَتَّجِرُ بِهِ، وَإِنْ احْتَاجَتْ إلَى ذَلِكَ فِي تَمَعُّشِهَا، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ تَضْطَرَّ إلَى ذَلِكَ بِحَيْثُ تَخْشَى عَلَى نَفْسِهَا الضَّيَاعَ بِتَرْكِ ذَلِكَ، وَإِلَّا انْبَغَى الْجَوَازُ عَلَى مَا يَظْهَرُ؛ لِأَنَّ الضَّرُورَاتِ تُبِيحُ الْمَحْظُورَاتِ وَحَرَّرَ الْمَسْأَلَةَ.

(وَ) كَذَا يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ (لَا تَخْتَضِبَ بِحِنَّاءٍ) قَالَ خَلِيلٌ: فَلَا تَمْتَشِطُ بِحِنَّاءٍ أَوْ كَتَمٍ بِفَتْحِ الْكَافِ وَالتَّاءِ وَهُوَ شَيْءٌ أَسْوَدُ يُصْبَغُ بِهِ الشَّعْرُ يُذْهِبُ حُمْرَتَهُ وَلَا يُسَوِّدُهُ.

(وَ) كَذَا يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ (لَا تَقْرَبَ

<<  <  ج: ص:  >  >>