يَدْخُلُ ذَلِكَ فِيمَا يَحْرُمُ مِنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ أَوْ التَّفَاضُلِ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ مِنْهُ وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ الطَّعَامِ الْقَرْضِ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ
وَلَا بَأْسَ بِالشَّرِكَةِ وَالتَّوْلِيَةِ وَالْإِقَالَةِ فِي الطَّعَامِ الْمَكِيلِ قَبْلَ قَبْضِهِ.
وَكُلُّ عَقْدِ بَيْعٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ كِرَاءٍ بِخَطَرٍ أَوْ
ــ
[الفواكه الدواني]
بِطَعَامٍ بِدَلِيلِ جَوَازِ بَيْعِهِ بِالطَّعَامِ إلَى أَجَلٍ، كَمَا لَوْ مَرَّ وَلَوْ كَانَ مَاءَ زَمْزَمَ، وَإِنْ قَالَ فِيهِ ابْنُ شَعْبَانَ: إنَّهُ طَعَامٌ فَإِنَّهُ مُؤَوَّلٌ.
(وَ) إلَّا (مَا يَكُونُ مِنْ) أَنْوَاعِ (الْأَدْوِيَةِ) كَالصَّبْرِ وَالْحُلْبَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا دَوَاءٌ.
(وَ) إلَّا (الزَّرَارِيعَ) جَمْعُ زَرِيعَةٍ (الَّتِي) شَأْنُهَا أَنْ (لَا يُعْتَصَرَ مِنْهَا زَيْتٌ) بَلْ تُؤْكَلُ عَلَى حَالِهَا كَحَبِّ الْفُجْلِ الْأَبْيَضِ وَحَبِّ السَّلْقِ وَالْجَزَرِ وَاللُّفْتِ وَحَبِّ الْبَصَلِ، وَزَادَ بَعْضٌ مَا يُعْتَصَرُ مِنْهُ زَيْتٌ لِلْوَقُودِ كَبَذْرِ الْكَتَّانِ.
(فَلَا يَدْخُلُ ذَلِكَ) الْمَذْكُورُ مِنْ الْمَاءِ، وَمَا بَعْدَهُ (فِيمَا يَحْرُمُ مِنْ بَيْعِ الطَّعَامِ بَلْ قَبْضُهُ وَ) لَا يَدْخُلُ فِيمَا يَحْرُمُ (التَّفَاضُلُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ مِنْهُ) بَلْ يَجُوزُ بَيْعُهَا قَبْلَ قَبْضِهَا، وَيَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ مِنْهَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ لَيْسَتْ مِنْ مُطْلَقِ الطَّعَامِ، وَقَوْلُنَا شَأْنُهَا أَنْ لَا يُعْتَصَرَ مِنْهَا زَيْتٌ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ نَحْوِ الزَّيْتُونِ وَحَبِّ السِّمْسِمِ الْمَعْرُوفِ بِالْجُلْجُلَانِ وَالْقُرْطُمِ، وَمُصْلِحَاتِ الطَّعَامِ كَالْحَبَّةِ السَّوْدَاءِ فَإِنَّهَا مِنْ الطَّعَامِ حُكْمًا.
قَالَ خَلِيلٌ: وَمُصْلِحُهُ كَمِلْحٍ وَبَصَلٍ وَثُومٍ وَتَابِلٍ كَفُلْفُلٍ وَكُزْبَرَةٍ وَأَنِيسُونَ وَشَمَارٍ وَكَمُّونَيْنِ.
قَالَ شُرَّاحُهُ: أَيْ أَنَّ مُصْلِحَ الطَّعَامِ كَالطَّعَامِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الزَّرَارِيعَ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ: مَا لَا يُعْتَصَرُ مِنْهُ زَيْتٌ وَيُؤْكَلُ حَبًّا، وَمَا يُعْصَرُ مِنْهُ شَيْءٌ لِغَيْرِ الْأَكْلِ، وَهَذَانِ الْقِسْمَانِ يَجُوزُ بَيْعُهُمَا قَبْلَ قَبْضِهِمَا، وَهُمَا كَلَامُ الْمُصَنِّفِ، وَقِسْمَانِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُمَا قَبْلَ قَبْضِهِمَا، وَهُمَا: مَا يُعْصَرُ مِنْهُ شَيْءٌ يُؤْكَلُ كَالْجُلْجُلَانِ وَنَحْوِهِ، وَمَا لَا يُعْصَرُ مِنْهُ وَيُؤْكَلُ عَلَى حَالِهِ كَالْحَبَّةِ السَّوْدَاءِ أَوْ الشَّمَرِ وَالْكَمُّونِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مُصْلِحٌ لِلطَّعَامِ.
ثُمَّ بَيَّنَ مَفْهُومَ ابْتَاعَ الَّذِي هُوَ طَعَامُ الْمُعَاوَضَةِ بِقَوْلِهِ: (وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ طَعَامِ الْقَرْضِ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَالنَّائِبُ ضَمِيرُ الطَّعَامِ وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ يَجُوزُ لِمَنْ اقْتَرَضَ طَعَامًا مِنْ شَخْصٍ لَمْ يَشْتَرِهِ أَوْ اشْتَرَاهُ وَقَبَضَهُ أَنْ يَبِيعَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ مِنْ مُقْرِضِهِ، وَمِثْلُهُ الْمَمْلُوكُ مِنْ نَحْوِ صَدَقَةٍ وَلَوْ اقْتَرَضَهُ عَلَى الْكَيْلِ، وَكَمَا يَجُوزُ لِلْمُقْتَرِضِ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ يَجُوزُ لَهُ دَفْعُهُ وَفَاءً عَنْ قَرْضٍ فِي ذِمَّتِهِ، وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِ الْقَرْضِ مِنْ غَيْرِ مُشْتَرٍ لَمْ يَقْبِضْهُ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّنْ اشْتَرَى طَعَامًا وَلَمْ يَقْبِضْهُ ثُمَّ أَقْرَضَهُ لِغَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِذَلِكَ الْمُقْتَرِضِ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَيَجْرِي هَذَا الْقَيْدُ فِي الطَّعَامِ الْمُتَصَدَّقِ بِهِ وَالْمَوْهُوبِ، فَشَرْطُ جَوَازِ بَيْعِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ أَنْ لَا يَكُونَ مِنْ مُشْتَرٍ لَمْ يَقْبِضْهُ لِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ تَوَالِي عُقْدَتَيْ بَيْعٍ لَمْ يَتَخَلَّلْهُمَا قَبْضٌ.
(تَنْبِيهٌ) إذَا قُلْنَا: يَجُوزُ بَيْعُ طَعَامِ الْقَرْضِ قَبْلَ قَبْضِهِ فَيَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لِلْمُقْتَرِضِ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ الْمُقْرِضِ، وَمِنْ غَيْرِهِ، لَكِنْ إنْ بَاعَهُ لِلْمُقْرِضِ يَجُوزُ بِكُلِّ شَيْءٍ إذَا حَصَلَ نَقْدُ الثَّمَنِ، وَأَمَّا لَوْ بَاعَهُ إلَى أَجَلٍ فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ، فَإِنْ بَاعَهُ الْمُقْتَرِضُ لِأَجْنَبِيٍّ فَيَجُوزُ بِكُلِّ شَيْءٍ أَيْضًا إذَا كَانَ نَقْدًا، وَأَمَّا لِأَجَلٍ فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ فِيهِ بَيْعَ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ هَكَذَا قَالَ الشَّاذِلِيُّ، وَحَاصِلُ كَلَامِ الشَّاذِلِيِّ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ مِنْ غَيْرِ أَجَلٍ سَوَاءٌ بَاعَهُ بِعَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَيَمْتَنِعُ إلَى أَجَلٍ سَوَاءٌ بَاعَهُ لِقَرْضِهِ أَوْ غَيْرِهِ.
وَفِي الْأُجْهُورِيِّ فِي شَرْحِ خَلِيلٍ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ: كَلَامُ الْمُصَنِّفِ شَامِلٌ لِمَا إذَا بَاعَهُ لِأَجْنَبِيٍّ أَوْ لِمُقْرِضِهِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ إذَا بَاعَهُ لَهُمَا بِغَيْرِ طَعَامٍ مُطْلَقًا، وَإِلَّا امْتَنَعَ لِمَا فِيهِ مِنْ بَيْعِ طَعَامٍ بِطَعَامٍ لِأَجَلٍ، وَإِذَا بَاعَهُ لِمُقْرِضِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ قَيْدٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ أَجَلُ الْقَرْضِ إلَى أَجَلِ السَّلَمِ أَوْ أَكْثَرَ، فَلَا يَجُوزُ شِرَاؤُهُ بِطَعَامٍ مُطْلَقًا أَيْ وَلَوْ لِأَجَلِ السَّلَمِ لِرِبَا النَّسَاءِ، وَلَا بَيْعُهُ لِمُقْرِضِهِ بِنَقْدٍ أَوْ عَرَضٍ حَيْثُ كَانَ أَجَلُ الْقَرْضِ أَقَلَّ مِنْ أَجَلِ السَّلَمِ؛ لِأَنَّ الْقَرْضَ يُعَدُّ لَغْوًا.
قَالَ الْأَمْرُ إلَى أَنَّ الْمُقْرِضَ دَفَعَ نَقْدًا أَوْ عَرَضًا فِي طَعَامٍ مِثْلِ الْقَرْضِ قَدْرًا وَصِفَةً يَأْخُذُهُ بَعْدَ أَجَلِ الْقَرْضِ، وَهَذَا سَلَمٌ، فَيُشْتَرَطُ فِي أَجَلِ الْقَرْضِ أَنْ يَكُونَ قَدْرَ أَجَلِ السَّلَمِ أَوْ أَكْثَرَ كَلَامِهِ، وَتَلَخَّصَ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ طَعَامِ الْقَرْضِ قَبْلَ قَبْضِهِ عَلَى الْحُلُولِ مُطْلَقًا أَيْ لِلْمُقْتَرِضِ أَوْ غَيْرِهِ وَلَوْ بِطَعَامٍ، وَلَا يَجُوزُ إلَى أَجَلٍ عَلَى كَلَامِ الشَّاذِلِيِّ مُطْلَقًا، وَأَمَّا عَلَى كَلَامِ الْأُجْهُورِيِّ فَلَا يَمْتَنِعُ إلَّا بِالطَّعَامِ مُطْلَقًا أَوْ بِغَيْرِهِ، حَيْثُ كَانَ الْبَيْعُ لِمُقْرِضِهِ وَكَانَ الْأَجَلُ أَقَلَّ مِنْ أَجَلِ السَّلَمِ، إلَّا إنْ كَانَ لِأَجْنَبِيٍّ مُطْلَقًا أَوْ لِلْمُقْرِضِ إلَى قَدْرٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ أَجَلِ السَّلَمِ فَيَجُوزُ، وَانْظُرْ الرَّاجِحَ مِنْ الْكَلَامَيْنِ.
وَلَمَّا وَقَعَ فِي حَدِيثِ النَّهْيِ الْآتِي عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ اسْتِثْنَاءُ التَّوْلِيَةِ وَالشَّرِكَةِ وَالْإِقَالَةِ أَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ: (وَلَا بَأْسَ بِالشَّرِكَةِ) فِي طَعَامِ الْمُعَاوَضَةِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَحَقِيقَةُ الشَّرِكَةِ هُنَا جَعْلُ مُشْتَرٍ قَدْرًا لِغَيْرِ بَائِعِهِ بِاخْتِيَارِهِ مِمَّا اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ بِمَا نَابَهُ مِنْ ثَمَنِهِ.
(وَ) كَذَلِكَ التَّوْلِيَةُ لَا بَأْسَ بِهَا فِي طَعَامِ الْمُعَاوَضَةِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَحَقِيقَتُهَا أَنْ يُجْعَلَ الطَّعَامُ الَّذِي اشْتَرَاهُ لِغَيْرِ بَائِعِهِ بِثَمَنِهِ، وَهِيَ فِي الطَّعَامِ غَيْرُ جُزَافٍ قَبْلَ كَيْلِهِ رُخْصَةً، فَمَنْ اشْتَرَى حِصَّةً مِنْ الطَّعَامِ عَلَى الطَّعَامِ عَلَى الْكَيْلِ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَدْفَعَهَا لِغَيْرِهِ بِثَمَنِهَا.
(وَ) كَذَلِكَ (الْإِقَالَةُ) لَا بَأْسَ بِهَا كَالشَّرِكَةِ وَالتَّوْلِيَةِ (فِي) جَمِيعِ (الطَّعَامِ الْمَكِيلِ قَبْلَ قَبْضِهِ) ، وَإِنَّمَا جَازَتْ تِلْكَ الْمَذْكُورَاتُ فِي طَعَامِ الْمُعَاوَضَةِ قَبْلَ قَبْضِهِ لِشَبَهِهَا بِالْقَرْضِ فِي الْمَعْرُوفِ لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ إلَّا مَا كَانَ مِنْ شَرِكَةٍ وَتَوْلِيَةٍ، وَإِقَالَةٍ» ، وَهِيَ تَرْكُ الْمَبِيعِ لِبَائِعِهِ