. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الفواكه الدواني]
الْمَصْلَحَةِ، وَمِنْ
مُرَاعَاةِ الْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ
أَيْضًا مَا نَقَلَهُ الْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ عَنْ مَالِكٍ مِنْ جَوَازِ قَتْلِ الثُّلُثِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لِإِصْلَاحِ الثُّلُثَيْنِ، وَمَحْمَلُهُ عِنْدَنَا عَلَى أَنَّ الْجَمِيعَ مُفْسِدُونَ، وَلَا يَحْصُلُ انْزِجَارُهُمْ لَا بِحَبْسِهِمْ وَلَا بِضَرْبِهِمْ إلَّا بِقَتْلِ ثُلُثِهِمْ، هَذَا مَحَلُّ الْجَوَازِ إذْ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِجَوَازِ قَتْلِ أَهْلِ الصَّلَاحِ لِإِصْلَاحِ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْفَسَادِ، وَاتَّضَحَ أَنَّ الْمُرَادَ يَجُوزُ قَتْلُ ثُلُثِ الْمُفْسِدِينَ؛ لِإِصْلَاحِ ثُلُثَيْهِمْ حَيْثُ تَوَقَّفَ الْإِصْلَاحُ عَلَى الْقَتْلِ، وَإِلَّا ارْتَكَبَ الْأَخَفَّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَمَّا كَانَ الْحَارِسُ لِنَحْوِ حَمَّامٍ وَكَرْمٍ مُشْبِهًا لِلصَّانِعِ فِي دَاعِيَةِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ وَكَانَ هَذَا يُوهِمُ ضَمَانَهُ رَفَعَهُ بِقَوْلِهِ: (وَلَا ضَمَانَ عَلَى صَاحِبِ الْحَمَّامِ) وَالْمَعْنَى: أَنَّ حَارِسَ الْحَمَّامِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي الثِّيَابِ الَّتِي تَضِيعُ مِنْ الْحَمَّامِ وَلَوْ أَخَذَ عَلَى ذَلِكَ أُجْرَةً؛ لِأَنَّهُ أَجِيرٌ وَالْأَجِيرُ أَمِينٌ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَأْخُذُ الْأُجْرَةَ وَلَوْ ضَاعَتْ الثِّيَابُ، وَمَحَلُّ عَدَمِ الضَّمَانِ إذَا لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ تَفْرِيطٌ، وَإِلَّا ضَمِنَ بِأَنْ يَقُولَ: جَاءَنِي إنْسَانٌ يُشْبِهُك فَدَفَعْت إلَيْهِ الثِّيَابَ، أَوْ قَالَ: أَخَذَ شَخْصٌ ثَوْبًا فَتَرَكْته لِظَنِّي أَنَّهُ الْمَالِكُ، وَمِثْلُ حَارِسِ الْحَمَّامِ غَيْرُهُ مِنْ حُرَّاسِ الْكُرُومِ وَالدُّورِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ حَارِسِ الْأَنْدَرِ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَحْرُوسِ طَعَامًا أَوْ غَيْرَهُ مِمَّا يُعَابُ عَلَيْهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْحَارِسُ أَجْنَبِيًّا أَوْ كَانَ هُوَ صَاحِبُ الْحَمَّامِ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِصَاحِبِ الْحَمَّامِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ كَوْنُهُ الْحَارِسَ.
وَاعْلَمْ أَنَّ مَحَلَّ عَدَمِ ضَمَانِ صَاحِبِ الْحَمَّامِ لِلثِّيَابِ إنْ لَمْ يَجْعَلْهَا رَبُّهَا رَهْنًا تَحِلُّ الْأُجْرَةُ، وَإِلَّا ضَمِنَهَا ضَمَانَ الرِّهَانِ، وَمَحَلُّ عَدَمِ ضَمَانِ الْحَارِسِ أَيْضًا أَلَّا يَكُونَ جُعِلَ حَارِسًا لِاتِّقَاءِ شَرِّهِ؛ لِكَوْنِهِ مَعْرُوفًا بِالسَّرِقَةِ وَالْخِيَانَةِ، وَإِلَّا ضَمِنَ مَا يَدَّعِي ضَيَاعَهُ مِمَّا هُوَ تَحْتَ يَدِهِ، وَأُمِنَ عَلَيْهِ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ أَبُو الْحَسَنِ، وَمِمَّا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ الْخُفَرَاءُ فِي الْحَارَاتِ وَالْأَسْوَاقِ وَلَوْ كَتَبَ عَلَيْهِمْ حُجَّةً بِضَمَانِ مَا يَضِيعُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الْتِزَامِ مَا لَا يَلْزَمُ، وَهُوَ لَا يَلْزَمُ، بِخِلَافِ الْتِزَامِ أَمْرٍ مَنْدُوبٍ كَالْتِزَامِ التَّصَدُّقِ بِشَيْءٍ عَلَى الْفُقَرَاءِ بِصِيغَةِ النَّذْرِ كَقَوْلِهِ: لِلَّهِ عَلَيَّ التَّصَدُّقُ عَلَى زَيْدٍ بِكَذَا، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِهِ؛ لِقَوْلِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: مَنْ الْتَزَمَ مَعْرُوفًا لَزِمَهُ أَيْ لَزِمَهُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَهَذَا كُلُّهُ حَيْثُ لَا تَفْرِيطَ، وَإِلَّا ضَمِنُوا كَسَائِرِ الْأُمَنَاءِ. هَذَا قَوْلٌ مِنْ كَلَامِ جَدِّ الْأُجْهُورِيِّ وَبَعْضُهُ بِالتَّصْرِيحِ، وَأَمَّا نَفْسُ الْأُجْهُورِيِّ فَكَانَ يُقَرِّرُ فِي الْمَحَافِلِ مَا نَقَلَهُ الْعَلَّامَةُ التَّتَّائِيُّ فِي شَرْحِ خَلِيلٍ مِنْ أَنَّ الْمَصَالِحَ الْعَامَّةَ الْآنَ تَضَمُّنُ الْخُفَرَاءِ، وَلَمْ يَنْقُلْهُ فِي شَرْحِهِ.
(تَنْبِيهٌ) . حَارِسُ الْحَمَّامِ وَنَحْوِهِ فِي عَدَمِ ضَمَانِهِ حَارِسُ الْأَجِيرِ الَّذِي تَحْتَ يَدِ الصَّانِعِ، وَكَذَلِكَ الدَّلَّالُ تُعْطَى لَهُ الثِّيَابُ يَطُوفُ بِهَا فَتَضِيعُ مِنْهُ أَوْ ثَمَنُهَا بَعْدَ بَيْعِهَا حَيْثُ كَانَ مَشْهُورًا بِالصَّلَاحِ. وَأَمَّا الْجَالِسُ فِي الْحَانُوتِ وَتُوضَعُ عِنْدَهُ الْأَمْتِعَةُ لِلْبَيْعِ فَهَذَا كَالصَّانِعِ يَضْمَنُ، وَكَذَا غَيْرُهُ مِمَّا نَصَبَ نَفْسَهُ لِأَمْتِعَةِ النَّاسِ. (خَاتِمَةٌ حَسَنَةٌ) . كُلُّ مَنْ قِيلَ بِضَمَانِهِ مِنْ صَانِعٍ مُطْلَقًا أَوْ حَارِسٍ لِتَفْرِيطِهِ، إذَا غَرِمَ قِيمَةَ مَا ضَمِنَهُ ثُمَّ وُجِدَ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَكُونُ لَهُ لَا لِصَاحِبِهِ، وَمِثْلُهَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ سَرِقَةُ شَيْءٍ وَيَغْرَمُ قِيمَتَهُ ثُمَّ يُوجَدُ فَإِنَّهُ يَكُونُ لَهُ إلَّا أَنْ يُوجَدَ عِنْدَهُ، وَمِثْلُ مَنْ ذَكَرَ الْمُسْتَعِيرُ يَدَّعِي ضَمَانَ مَا اسْتَعَارَ مِمَّا غَابَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ إذَا غَرِمَ قِيمَتَهُ وَوَجَدَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ فِي الْجَمِيعِ أَنَّهُ يَغْرَمُ قِيمَتَهُ وَيَمْلِكُهُ عَلَى تَقْدِيرِ وُجُودِهِ، كَالْغَاصِبِ يَغْرَمُ قِيمَةَ الْمَغْصُوبِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ.
(وَلَا) ضَمَانَ أَيْضًا (عَلَى صَاحِبِ السَّفِينَةِ) وَلَا النُّوتِيِّ الَّذِي يَخْدُمُ فِيهَا فَلَا مَفْهُومَ لِصَاحِبِهَا، وَالْمُرَادُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ مَا كَانَ فِيهَا مِنْ مَالٍ أَوْ نَفْسٍ إذَا غَرِقَتْ بِفِعْلٍ سَائِغٍ فِعْلُهُ فِيهَا مِنْ عِلَاجٍ أَوْ مَوْجٍ أَوْ رِيحٍ، وَأَمَّا إنْ غَرِقَتْ بِفِعْلٍ غَيْرِ سَائِغٍ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ الْمَالَ. وَالدِّيَةُ فِي مَالِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَهَذَا كُلُّهُ حَيْثُ لَمْ يَقْصِدْ قَتْلَ الْأَنْفُسِ، وَإِلَّا قُتِلَ بِهِمْ، وَلَمَّا كَانَ كِرَاءُ السَّفِينَةِ شَبِيهًا بِالْجُعْلِ فِي اسْتِحْقَاقِ الْعِوَضِ قَالَ: (وَلَا كِرَاءَ لَهُ) أَيْ لِصَاحِبِ السَّفِينَةِ مُسْتَحَقٌّ (إلَّا عَلَى الْبَلَاغِ) فَإِذَا غَرِقَتْ فِي أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ وَغَرِقَ جَمِيعُ مَا فِيهَا مِنْ طَعَامٍ وَغَيْرِهِ فَلَا كِرَاءَ لِرَبِّهَا، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الْإِجَارَةَ فِي السُّفُنِ جَارِيَةٌ مَجْرَى الْجُعْلِ، فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ الْغَرَضُ الْمَطْلُوبُ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْعِوَضَ، وَقَوْلُنَا غَرِقَ جَمِيعُ مَا فِيهَا احْتِرَازٌ عَنْ غَرَقِ بَعْضِهِ وَسَلَامَةِ الْبَعْضِ الْآخَرِ، وَاسْتَأْجَرَ عَلَيْهِ رَبُّهُ، فَإِنَّ لِلْأَوَّلِ كِرَاءَ مَا بَقِيَ إلَى مَحَلِّ الْغَرَقِ عَلَى حِسَابِ الْكِرَاءِ الْأَوَّلِ لَا بِنِسْبَةِ الثَّانِي وَلَيْسَ لَهُ كِرَاءُ مَا ذَهَبَ بِالْغَرَقِ. وَأَمَّا لَوْ غَرِقَتْ بَعْدَ وُصُولِهَا إلَى الْمَحَلِّ الْمَخْصُوصِ فَإِنْ كَانَ الْغَرَقُ بَعْدَ تَمَكُّنِ رَبِّ الشَّيْءِ مِنْ إخْرَاجِ مَا فِيهَا فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ جَمِيعُ الْكِرَاءِ وَإِلَّا لَمْ يَلْزَمْهُ بِشَيْءٍ.
١ -
(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: وَقَعَ التَّوَقُّفُ مِنْ بَعْضِ مَشَايِخِ مَشَايِخِنَا فِي أَمْرَيْنِ. أَحَدُهُمَا: إذَا اكْتَرَى شَخْصٌ سَفِينَةً لِمَحَلٍّ مُعَيَّنٍ وَخَرَجَ مِنْهَا قَبْلَ الْوُصُولِ إلَيْهِ اخْتِيَارًا وَاسْتَظْهَرَ أَنْ يَلْزَمَهُ جَمِيعُ الْكِرَاءِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ لَازِمٌ، كَمَنْ اكْتَرَى دَابَّةً لِمَحَلٍّ وَتَرَكَ رُكُوبَهَا قَبْلَ وُصُولِهِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ جَمِيعُ الْكِرَاءِ، وَأَمَّا لَوْ خَرَجَ مِنْهَا قَبْلَ الْوُصُولِ قَهْرًا بِأَنْ غَرِقَتْ وَانْتَقَلَ لِسَفِينَةٍ أُخْرَى فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ مِنْ الْكِرَاءِ حِصَّةُ مَا رَكِبَ، وَوَقَعَ التَّوَقُّفُ أَيْضًا إذَا وَحَلَتْ مَثَلًا وَخَرَجَ مِنْهَا ثُمَّ تَخَلَّصَتْ بَعْدَ ذَلِكَ فَهَلْ يَلْزَمُهُ الرُّجُوعُ لَهَا كَمَرَضِ عَبْدٍ مُسْتَأْجَرٍ أَوْ دَابَّةٍ فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ ثُمَّ يَصِحَّانِ قَبْلَ انْقِضَائِهَا، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الرُّجُوعُ حَيْثُ كَانَ فِي الْحَضَرِ، أَوْ لَا يَلْزَمُ كَمَرَضِهِمَا وَعَوْدِهِمَا فِي زَمَنِ السَّفَرِ، وَيَظْهَرُ أَنَّهَا كَهُمَا فِي السَّفَرِ؛ لِوُجُودِ الْعِلَّةِ وَهِيَ مَشَقَّةُ الصَّبْرِ لِانْتِظَارِ صِحَّةِ الْعَبْدِ وَالدَّابَّةِ فِي السَّفَرِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute