للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَأْسَ بِالشَّرِكَةِ بِالْأَبْدَانِ إذَا عَمِلَا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ عَمَلًا وَاحِدًا أَوْ مُتَقَارِبًا.

وَتَجُوزُ الشَّرِكَةُ بِالْأَمْوَالِ عَلَى أَنْ يَكُونَ

ــ

[الفواكه الدواني]

مَعَ عَدَمِ صِحَّةِ تَوَكُّلِ الْعَدُوِّ عَلَى عَدُوِّهِ، وَالْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ، لَكِنْ جَوَازُهَا فِي الْأَوَّلِ بِلَا قَيْدٍ، وَفِي الثَّانِي بِقَيْدِ حُضُورِ الْمُسْلِمِ لِتَصَرُّفِ الْكَافِرِ، وَأَمَّا مَعَ غَيْبَتِهِ عَنْهُ وَقْتَ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فَلَا تَجُوزُ ابْتِدَاءً وَتَصِحُّ بَعْدَ الْوُقُوعِ، وَبَعْدَ ذَلِكَ إنْ حَصَلَ لِلْمُسْلِمِ شَكٌّ فِي عَمَلِ الذِّمِّيِّ بِالرِّبَا اُسْتُحِبَّ لَهُ التَّصَدُّقُ بِالرِّبْحِ، وَإِنْ شَكَّ فِي عَمَلِهِ بِالْخَمْرِ اُسْتُحِبَّ لَهُ التَّصَدُّقُ بِالْجَمِيعِ، وَإِنْ عَلِمَ السَّلَامَةَ مِنْ ذَلِكَ فَلَا.

وَشَرْطُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فِي شَرِكَةِ الْأَمْوَالِ التَّسَاوِي فِي الصَّرْفِ وَالْقِيمَةِ إنْ وَقَعَتْ بِذَهَبَيْنِ أَوْ وَرِقَيْنِ.

قَالَ خَلِيلٌ: بِذَهَبَيْنِ أَوْ وَرِقَيْنِ اتَّفَقَ صَرْفُهُمَا وَبِهِمَا مِنْهُمَا وَبِعَيْنٍ وَبِعَرَضٍ وَبِعَرَضَيْنِ مُطْلَقًا وَكُلٌّ بِالْقِيمَةِ يَوْمَ أَحْضَرَ لَا فَاتَ إنْ صَحَّتْ، وَأَمَّا فِي شَرِكَةِ الْأَبْدَانِ وَالْعَمَلِ فَالشَّرْطُ التَّسَاوِي أَوْ التَّقَارُبُ فِي الْعَمَلِ كَمَا يَأْتِي، وَأَمَّا الصِّيغَةُ فَهِيَ كُلُّ مَا دَلَّ عَلَيْهَا عُرْفًا مِنْ قَوْلٍ كَاشْتَرَكْنَا، أَوْ فِعْلٍ كَخَلْطِ الْمَالَيْنِ فِي شَرِكَةِ الْأَمْوَالِ وَتَلْزَمُ بِالْقَوْلِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَأَمَّا الضَّمَانُ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى خَلْطِ الْمَالَيْنِ وَلَوْ حُكْمًا.

١ -

وَنَوَّعَهَا الْفُقَهَاءُ إلَى شَرِكَةِ أَبْدَانٍ، وَيُقَالُ لَهَا شَرِكَةُ الْعَمَلِ، وَشَرِكَةُ مُفَاوَضَةٍ، وَشَرِكَةُ عِنَانٍ، وَشَرِكَةُ جَبْرٍ، وَشَرِكَةُ ذِمَمٍ، وَيُقَالُ لَهَا شَرِكَةُ وُجُوهٍ، وَبَدَأَ بِشَرِكَةِ الْأَبْدَانِ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى حَدِّهَا لِأَحَدٍ، وَيُمْكِنُ رَسْمُهَا بِالْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ بِأَنَّهَا: اتِّفَاقُ شَخْصَيْنِ فَأَكْثَرَ مُتَّحِدِي الصَّنْعَةِ أَوْ مُتَقَارِبِيهَا عَلَى الْعَمَلِ، وَمَا يَحْصُلُ يَكُونُ عَلَى حَسَبِ الْعَمَلِ فَقَالَ: (وَلَا بَأْسَ بِالشَّرِكَةِ بِالْأَبْدَانِ) أَيْ تَجُوزُ جَوَازًا مُسْتَوِيًا بِشُرُوطٍ أَشَارَ إلَى بَعْضِهَا بِقَوْلِهِ: (إذَا عَمِلَا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ) هَكَذَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلْمُدَوَّنَةِ.

وَفِي خَلِيلٍ جَوَازُهَا، وَإِنْ بِمَكَانَيْنِ عَلَى مَا فِي الْعُتْبِيَّةِ، وَوَفَّقَ الْأَشْيَاخُ بَيْنَ الْكِتَابَيْنِ بِحَمْلِ الْمُدَوَّنَةِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَتَّحِدْ النَّفَاقُ فِي الْمَكَانَيْنِ، وَالْعَيْبِيَّةُ عَلَى الِاتِّحَادِ، وَمِنْ شُرُوطِهَا أَيْضًا أَنْ يَعْمَلَا: (عَمَلًا وَاحِدًا) بِأَنْ تَكُونَ صَنْعَتُهُمَا مُتَّفِقَةً كَحَدَّادِينَ أَوْ نَجَّارِينَ أَوْ خَيَّاطِينَ، لَا إنْ اخْتَلَفَ اخْتِلَافًا بَعِيدًا كَحَدَّادٍ وَخَيَّاطٍ فَلَا يَجُوزُ لِاحْتِمَالِ رَوَاجِ صَنْعَةِ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ فَيَأْكُلُ أَحَدُهُمَا اسْتِحْقَاقَ الْآخَرِ.

(أَوْ) يَكُونُ عَمَلُهَا (مُتَقَارِبًا) كَمَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا يُجَهِّزُ الدَّقِيقَ وَالْآخَرُ يَعْجِنُ أَوْ يَخْبِزُ، أَوْ أَحَدُهُمَا يُحَوِّلُ وَالْآخَرُ يَنْسِجُ، وَلَفْظُ خَلِيلٍ: وَجَازَتْ بِالْعَمَلِ إذَا اتَّحَدَ أَوْ تَلَازَمَ وَتَسَاوَيَا فِيهِ أَوْ تَقَارَبَا وَحَصَلَ التَّعَاوُنُ، وَإِنْ بِمَكَانَيْنِ، وَمَعْنَى التَّسَاوِي فِي الْعَمَلِ أَنْ يَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ قَدْرَ عَمَلِهِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَعْمَلَ أَحَدُهُمَا الثُّلُثَ وَالْآخَرُ الثُّلُثَيْنِ وَيَسْتَوِيَا فِي الْحَاصِلِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ أَنْ يَكُونَ عَمَلُ كُلٍّ مُسَاوِيًا لِعَمَلِ الْآخَرِ، وَبَقِيَ مِنْ الشُّرُوطِ أَيْضًا الِاشْتِرَاكُ فِي الْآلَةِ إمَّا بِمِلْكٍ أَوْ اكْتِرَاءٍ مِنْ الْغَيْرِ. وَأَمَّا لَوْ خَرَّجَ كُلٌّ آلَةً أَوْ كَانَتْ مِنْ عِنْدِ أَحَدِهِمَا وَآجَرَ شَرِيكُهُ نِصْفَهَا فَقِيلَ تَجُوزُ، وَقِيلَ لَا تَجُوزُ ابْتِدَاءً، وَتَصِحُّ بَعْدَ الْوُقُوعِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ مِنْ الْخِلَافِ، وَيَدْخُلُ فِي الْعَمَلِ الطِّبُّ وَالصَّيْدُ وَالْحَفْرُ فِي الْمَعَادِنِ وَعَمَلِ الْآجُرِّ، وَتَدْخُلُ فِيهِ أَيْضًا قِرَاءَةُ الْأَطْفَالِ حَيْثُ كَانَ كُلٌّ يُحَفِّظُ الْقُرْآنَ، وَوَقَعَ الْخِلَافُ فِي شَرِكَةِ شَخْصَيْنِ يُعَلِّمُ أَحَدُهُمَا مَنْ يَقْرَأُ فِي النِّصْفِ الْفَوْقَانِيِّ؛ لِكَوْنِهِ لَا يَحْفَظُ إلَّا هُوَ، وَالْآخَرُ يُعَلِّمُ مَنْ يَقْرَأُ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ؛ لِكَوْنِهِ لَا يَحْفَظُ سِوَاهُ، فَقَالَ بَعْضُ شُيُوخِ ابْنِ نَاجِي بِعَدَمِ الْجَوَازِ وَاسْتَصْوَبَ هُوَ، بِخِلَافِ كَلَامِ شَيْخِهِ قَائِلًا: وَفِيهِ نَظَرٌ، وَالصَّوَابُ عِنْدِي الْجَوَازُ.

قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا: وَهُوَ وَاضِحٌ مَعَ وُجُودِ مَنْ يَقْرَأُ مِنْ الْأَعْلَى وَمَنْ يَقْرَأُ مِنْ الْأَسْفَلِ لِحُصُولِ التَّعَاوُنِ.

١ -

(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: اُخْتُلِفَ فِي شَرِكَةِ الْأَبْدَانِ هَلْ تَقَعُ لَازِمَةً بِمُجَرَّدِ عَقْدِهَا أَوْ لَا تَلْزَمُ إلَّا بِالشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَكَمَا تُسَمَّى شَرِكَةَ أَبْدَانٍ تُسَمَّى شَرِكَةَ عَمَلٍ، وَوَجْهُ تَسْمِيَتِهَا بِذَلِكَ عَدَمُ تَوَقُّفِهَا عَلَى الْمَالِ غَالِبًا فَلَمْ يَبْقَ إلَّا عَمَلُ الْبَدَنِ.

الثَّانِي: لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ مَا لَوْ انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا بِالْعَمَلِ مُدَّةً لِمَرَضِ صَاحِبِهِ أَوْ غَيْبَتِهِ، وَبَيَّنَهُ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: وَأُلْغِيَ مَرَضٌ كَيَوْمَيْنِ وَغَيْبَتُهُمَا لَا إنْ كَثُرَ، فَفِي مَرَضِ الْيَوْمَيْنِ أَوْ غَيْبَتِهِمَا يُقْسَمُ الْحَاصِلُ مِنْ عَمَلِ أَحَدِهِمَا بَيْنَهُمَا، وَأَمَّا عِنْدَ طُولِ الْمَرَضِ أَوْ الْغَيْبَةِ فَلَا إلْغَاءَ، وَحِينَئِذٍ يَرْجِعُ الَّذِي عَمِلَ عَلَى مَنْ مَرِضَ أَوْ غَابَ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمَيْنِ بِنِصْفِ أُجْرَةِ مِثْلِهِ فِيمَا عَمِلَهُ، وَالْأُجْرَةُ الْمُتَحَصِّلَةُ تُقْسَمُ بَيْنَهُمَا.

(مِثَالٌ يُوَضِّحُ ذَلِكَ) لَوْ عَاقَدَ شَخْصًا عَلَى خِيَاطَةِ ثَوْبٍ مَثَلًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ، وَغَابَ أَحَدُهُمَا أَوْ مَرِضَ زَمَنًا طَوِيلًا فَخَاطَهُ الْآخَرُ فَإِنَّ الْعَشَرَةَ تُقْسَمُ بَيْنَهُمَا، وَيُقَالُ مَا أُجْرَةُ مِثْلِهِ فِي خِيَاطَةِ هَذَا الثَّوْبِ؟ فَإِذَا قِيلَ أَرْبَعَةُ دَرَاهِمَ مَثَلًا رَجَعَ الَّذِي صَنَعَهُ عَلَى شَرِيكِهِ بِدِرْهَمَيْنِ.

وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى شَرِكَةِ الْأَبْدَانِ شَرَعَ فِي شَرِكَةِ الْأَمْوَالِ بِقَوْلِهِ: (وَتَجُوزُ الشَّرِكَةُ بِالْأَمْوَالِ) بِأَنْ يَأْتِيَ كُلُّ وَاحِدٍ بِذَهَبِهِ أَوْ فِضَّتِهِ، وَنَقْدُ أَحَدِهِمَا مُسَاوٍ لِنَقْدِ الْآخَرِ صَرْفًا وَوَزْنًا وَقِيمَةً.

قَالَ خَلِيلٌ: بِذَهَبَيْنِ أَوْ وَرِقَيْنِ اتَّفَقَ صَرْفُهُمَا أَيْ وَقْتَ الْمُعَاقَدَةِ وَلَا يَضُرُّ الِاخْتِلَافُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَلَا يَجُوزُ بِمُخْتَلِفِ الصَّرْفِ، وَإِذَا وَقَعَتْ فُسِخَتْ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ رَأْسُ مَالِهِ بِعَيْنِهِ فِي سِكَّتِهِ، وَالرِّبْحُ بِقَدْرِ وَزْنِ رَأْسِ مَالِهِ لَا عَلَى فَضْلِ السِّكَّةِ، وَكَذَا لَا تَجُوزُ بِتِبْرٍ، وَمَسْكُوكٍ وَلَوْ تَسَاوَيَا وَزْنًا إنْ كَثُرَ فَضْلُ السِّكَّةِ، وَأَمَّا إنْ سَاوَتْهَا جَوْدَةُ التِّبْرِ فَقَوْلَانِ، وَكَذَا تَجُوزُ بِذَهَبٍ وَوَرِقٍ مِنْ أَحَدِهِمَا وَالْآخَرُ كَذَلِكَ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَبِهِمَا مِنْهُمَا وَبِعَيْنٍ وَبِعَرَضٍ وَبِعَرَضَيْنِ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ كَانَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ أَوْ مُخْتَلِفٍ وَكُلٌّ بِالْقِيمَةِ يَوْمَ أَحْضَرَ

<<  <  ج: ص:  >  >>