للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَوْ أَنْتَ حُرٌّ عَنْ دُبُرٍ مِنِّي ثُمَّ لَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ وَلَهُ خِدْمَتُهُ وَلَهُ انْتِزَاعُ مَالِهِ مَا لَمْ يَرْضَ.

وَلَهُ وَطْؤُهَا إنْ كَانَتْ أَمَةً.

وَلَا يَطَأُ الْمُعْتَقَةَ إلَى أَجَلٍ وَلَا يَبِيعُهَا وَلَهُ أَنْ يَسْتَخْدِمَهَا وَلَهُ أَنْ يَنْتَزِعَ مَالَهَا مَا لَمْ يَقْرَبْ الْأَجَلَ.

وَإِذَا مَاتَ فَالْمُدَبَّرُ مِنْ ثُلُثِهِ.

ــ

[الفواكه الدواني]

الرُّجُوعُ عَنْهُ.

الرُّكْنُ الثَّانِي: الْمُدَبَّرُ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَهُوَ كُلُّ مَنْ فِيهِ شَائِبَةُ رِقٍّ مِنْ عَبْدٍ أَوْ امْرَأَةٍ مَمْلُوكَةٍ لِلْمُدَبِّرِ بِكَسْرِ الْبَاءِ، فَإِنْ دَبَّرَ أَحَدَ شَرِيكَيْنِ تَقَاوَيَاهُ، فَإِنْ صَارَ كُلُّهُ مُدَبَّرًا وَإِلَّا صَارَ كُلُّهُ رَقِيقًا.

الرُّكْنُ الثَّالِثُ: الصِّيغَةُ وَهِيَ كُلُّ مَا يُفْهَمُ مِنْهُ التَّدْبِيرُ وَهِيَ عَلَى قِسْمَيْنِ: صَرِيحَةٌ وَكِفَايَةٌ، فَالصَّرِيحَةُ (أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ) الْمُرَادُ مُطْلَقُ الْمُكَلَّفِ الرَّشِيدِ (لِعَبْدِهِ) أَيْ رَقِيقِهِ (أَنْتَ مُدَبَّرٌ) أَوْ دَبَّرْتُكَ (أَوْ) يَقُولَ (أَنْتَ حُرٌّ عَنْ دُبُرٍ مِنِّي) أَوْ أَنْتَ عَتِيقٌ عَنْ دُبُرٍ مِنِّي وَنَحْوُهُ مِنْ كُلِّ مَا يُفْهَمُ مِنْهُ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ عَلَى مَوْتِهِ لَا عَلَى وَجْهِ الْوَصِيَّةِ بَلْ عَلَى وَجْهِ التَّحَتُّمِ وَاللُّزُومِ، بِخِلَافِ تَقْيِيدِهِ بِوَجْهٍ مَخْصُوصٍ كَقَوْلِهِ: إنْ مِتُّ مِنْ مَرَضِي هَذَا أَوْ سَفَرِي هَذَا فَهَذَا وَصِيَّةٌ لَا تَدْبِيرٌ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ بَعْدَ الصِّيغَةِ الصَّرِيحَةِ: مَا لَمْ أَرْجِعْ عَنْهُ أَوْ مَا لَمْ أُغَيِّرْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَنْقَلِبُ وَصِيَّةً، وَالْكِفَايَةُ أَنْ يَقُولَ الْمَالِكُ فِي صِحَّتِهِ: أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي وَلَمْ يُقَيِّدْ بِيَوْمٍ وَلَا شَهْرٍ أَوْ يَوْمَ أَمُوتُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ كُلِّ مَا كَانَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ يَحْتَمِلُ الْوُقُوعَ وَعَدَمَهُ، فَهَذَا وَصِيَّةٌ لَا تَدْبِيرٌ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ التَّدْبِيرَ (ثُمَّ) إذَا وَقَعَ التَّدْبِيرُ مُسْتَوْفِيًا لِشُرُوطِهِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فَإِنَّهُ يَكُونُ لَازِمًا (لَا يَجُوزُ لَهُ) أَيْ لِلْمُدَبِّرِ بِكَسْرِ الْبَاءِ (بَيْعُهُ) وَلَا هِبَتُهُ لِوُقُوعِهِ عَقْدِهِ لَازِمًا وَبَيْعِهِ ذَرِيعَةً لِإِرْقَاقِهِ وَالشَّارِعُ مُتَشَوِّفٌ لِلْحُرِّيَّةِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى حُرْمَةِ بَيْعِهِ وَهِبَتِهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يُبَاعُ الْمُدَبَّرُ وَلَا يُوهَبُ وَهُوَ حُرٌّ مِنْ الثُّلُثِ» وَإِذَا وَقَعَ بَيْعُهُ فَإِنَّهُ يُفْسَخُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي قَدْ أَعْتَقَهُ فَإِنَّهُ يَمْضِي بَيْعُهُ وَعِتْقُهُ الْوَاقِعُ بَعْدَهُ وَيَكُونُ الْوَلَاءُ لِلْمُشْتَرِي، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَلَا يُقَالُ بِشَكْلٍ عَلَى حُرْمَةِ الْبَيْعِ جَوَازُ الْمُقَاوَاةِ إذَا دَبَّرَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ حِصَّتَهُ وَفِيهَا بَيْعُ الْمُدَبَّرِ، لِأَنَّ جَوَازَ الْمُقَاوَاةِ مُسْتَثْنًى مِنْ حُرْمَةِ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ مَعَ احْتِمَالِ صَيْرُورَتِهِ مُدَبَّرَ الْجَمِيعِ أَيْضًا.

(تَنْبِيهٌ) مَحَلُّ حُرْمَةِ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ دَيْنٌ عَلَى السَّيِّدِ تُدَايِنُهُ قَبْلَ التَّدْبِيرِ وَلَيْسَ عِنْدَهُ مَا يَجْعَلُهُ فِي الدَّيْنِ، وَإِلَّا جَازَ بَيْعُهُ وَلَوْ فِي حَيَاةِ السَّيِّدِ، وَأَمَّا الدَّيْنُ الْمُتَأَخِّرُ عَنْ التَّدْبِيرِ فَلَا يُبَاعُ فِيهِ الْمُدَبَّرُ فِي حَيَاةِ السَّيِّدِ وَيُبَاعُ فِيهِ بَعْدَ مَوْتِهِ.

قَالَ الْأُجْهُورِيُّ:

وَيُبْطِلُ التَّدْبِيرَ دَيْنٌ سَبَقَا ... إنْ سَيِّدٌ حَيًّا وَإِلَّا مُطْلَقَا

وَإِنَّمَا بَطَلَ التَّدْبِيرُ بِالدَّيْنِ الْمُتَأَخِّرِ بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْمُدَبَّرَ لَا يُعْتَقُ إلَّا مِنْ الثُّلُثِ، وَلَمَّا كَانَ الْمُدَبَّرُ فِي حَيَاةِ سَيِّدِهِ عَلَى حُكْمِ الرَّقِيقِ فِي خِدْمَتِهِ وَشَهَادَتِهِ وَعَدَمِ حَدِّ قَاذِفِهِ وَعَدَمِ قَتْلِ قَاتِلِهِ الْحُرِّ قَالَ: (وَلَهُ) أَيْ سَيِّدِ الْمُدَبَّرِ (خِدْمَتُهُ) فَيَسْتَخْدِمُهُ أَوْ يُؤَجِّرُهُ لِأَنَّهُ عَلَى مِلْكِهِ (إلَى أَنْ يَمُوتَ فَيُعْتَقُ حِينَئِذٍ) مَاتَ سَيِّدُهُ مَلِيًّا مِنْ ثُلُثِهِ (وَلَهُ) أَيْ سَيِّدِ الْمُدَبَّرِ أَيْضًا (انْتِزَاعُ مَالِهِ) أَيْ الْمُدَبَّرِ (مَا لَمْ يَمْرَضْ) أَيْ السَّيِّدُ مَرَضًا مَخُوفًا وَإِلَّا حُرِّمَ عَلَيْهِ انْتِزَاعُ مَالِهِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يُنْتَزَعُ لِغَيْرِهِ، وَهَذَا فِيمَا اسْتَعَادَهُ مِنْ هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ أَوْ صَدَاقٍ إنْ كَانَ الْمُدَبَّرُ أُنْثَى، وَأَمَّا مَا اسْتَفَادَهُ الْمُدَبَّرُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ وَخَرَاجِهِ أَوْ أَرْشِ جِنَايَتِهِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِسَيِّدِهِ انْتِزَاعُهُ وَلَوْ مَرِضَ لِأَنَّهُ مِنْ أَمْوَالِهِ.

(تَنْبِيهٌ) مِثْلُ الْمُدَبَّرِ فِي عَدَمِ جَوَازِ انْتِزَاعِ مَالِهِ أُمُّ الْوَلَدِ، فَلَا يَجُوزُ لِسَيِّدِهَا إذَا مَرِضَ انْتِزَاعُ مَالِهَا، وَالْمُعْتَقُ لِأَجَلٍ وَقَدْ قَرُبَ الْأَجَلُ، وَالْمُكَاتَبُ مُطْلَقًا، وَالْمُعْتَقُ بَعْضُهُ، وَالْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ إذَا صَارَ مَدِينًا.

(وَ) كَمَا يَمْلِكُ السَّيِّدُ خِدْمَةَ مُدَبَّرَةٍ فِي حَيَاتِهِ يَجُوزُ (لَهُ وَطْؤُهَا) أَيْ النَّسَمَةُ الْمُدَبَّرَةُ (إنْ كَانَتْ أَمَةً) لِأَنَّ الْمُدَبَّرَ عَلَى مِلْكِ سَيِّدِهِ إلَى الْمَوْتِ وَالْعِتْقِ، وَإِذَا حَمَلَتْ الْمُدَبَّرَةُ مِنْ وَطْءِ سَيِّدِهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ تُعْتَقُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَإِذَا لَمْ تَحْمِلْ تُعْتَقُ مِنْ الثُّلُثِ.

(تَنْبِيهٌ) لَمْ يَتَكَلَّمْ الْمُصَنِّفُ عَلَى حُكْمِ رَهْنِ الْمُدَبَّرِ وَكِتَابَتِهِ وَالْحُكْمُ جَوَازُ كِتَابَتِهِ، لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ إنَّمَا هُوَ إخْرَاجُهُ لِغَيْرِ حُرِّيَّةٍ كَبَيْعِهِ، وَأَمَّا رَهْنُهُ فَإِنْ كَانَ عَلَى أَنْ يُبَاعَ لِلْغُرَمَاءِ فِي حَيَاةِ السَّيِّدِ فِي الدَّيْنِ السَّابِقِ عَلَى التَّدْبِيرِ لَا الْمُتَأَخِّرِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ، وَأَمَّا عَلَى أَنْ لَا يُبَاعَ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَلَوْ فِي الدَّيْنِ الْمُتَأَخِّرِ عَنْ التَّدْبِيرِ.

وَلَمَّا كَانَتْ الْمُعْتَقَةُ لِأَجَلٍ قَدْ أَشْرَفَتْ عَلَى الْحُرِّيَّةِ بِخِلَافِ الْمُدَبَّرَةِ قَالَ: (وَلَا) يَحِلُّ لِلسَّيِّدِ أَنْ (يَطَأَ) أَمَتَهُ (الْمُعْتَقَةَ إلَى أَجَلٍ) وَهِيَ الَّتِي قَالَ لَهَا سَيِّدُهَا: اُخْدُمِي وَأَنْتِ حُرَّةٌ بَعْدَ سَنَةٍ أَوْ سَنَتَيْنِ مَثَلًا، وَإِنَّمَا حُرِّمَ وَطْؤُهَا لِاحْتِمَالِ انْقِضَاءِ الْأَجَلِ قَبْلَ مَوْتِهِ فَتَخْرُجُ حُرَّةً فَيُشْبِهُ وَطْؤُهُ لَهَا نِكَاحَ الْمُتْعَةِ، وَإِنْ اقْتَحَمَ السَّيِّدُ النَّهْيَ وَوَطِئَهَا أُدِّبَ وَلَا يُحَدُّ وَيُلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ وَتَكُونُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ، وَيُعَجَّلُ عِتْقُهَا وَقِيلَ لَا يُعَجَّلُ لِبَقَاءِ أَرْشِ الْجِنَايَةِ عَلَيْهَا لَهُ إنْ جُرِحَتْ وَقِيمَتُهَا إنْ قُتِلَتْ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ وَطْؤُهَا سَوَاءٌ عَجَّلَ عِتْقَهَا أَوْ بَقِيَتْ إلَى أَجَلِهَا.

(وَ) كَمَا لَا يَحِلُّ لِلسَّيِّدِ وَطْءُ الْمُعْتَقَةِ لِأَجَلٍ (لَا يَبِيعُهَا) وَلَا يَتَصَدَّقُ بِهَا لِإِشْرَافِهَا عَلَى الْحُرِّيَّةِ. (وَلَهُ) أَيْ سَيِّدِ الْمُعْتَقَةِ لِأَجْلِ (أَنْ يَسْتَخْدِمَهَا) لِبَقَائِهَا عَلَى مِلْكِهِ حَتَّى يَنْقَضِيَ الْأَجَلُ. (وَلَهُ) أَيْ السَّيِّدِ (أَنْ يَنْتَزِعَ مَالَهَا) الَّذِي اسْتَفَادَتْهُ مِنْ هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ. (مَا لَمْ يَقْرُبْ الْأَجَلُ) بِالشَّهْرِ وَمَا قَارَبَهُ فَيُحَرَّمُ عَلَيْهِ انْتِزَاعُهُ، وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ خَرَاجِهَا وَكَسْبِهَا وَأَرْشِ جِنَايَةٍ عَلَيْهَا فَلَهُ انْتِزَاعُهُ وَإِنْ قَرُبَ الْأَجَلُ، وَإِنَّمَا أَقْحَمَ الْكَلَامَ

<<  <  ج: ص:  >  >>