للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

رَجَعَتْ حُبُسًا عَلَى أَقْرَبِ النَّاسِ بِالْمُحَبِّسِ يَوْمَ الْمَرْجِعِ.

وَمَنْ أَعْمَرَ رَجُلًا حَيَاتَهُ دَارًا رَجَعَتْ بَعْدَ مَوْتِ السَّاكِنِ مِلْكًا

ــ

[الفواكه الدواني]

عَايَنَتْ الشَّيْءَ الْمَوْقُوفَ قَبْلَ حُصُولِ الْمَانِعِ أَيْضًا، وَلَا يَكْفِي مُجَرَّدُ إقْرَارِ الْوَاقِفِ دُونَ مُعَايَنَةِ الذَّاتِ الْمَوْقُوفَةِ، لِأَنَّ الْمُنَازِعَ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِ الْوَاقِفِ إمَّا الْوَرَثَةُ وَإِمَّا الْغُرَمَاءُ، وَالْبَيِّنَةُ إمَّا تَشْهَدُ عَلَى مَا عَايَنَتْهُ وَأَنْ تُثْبِتَ أَنَّ الْوَاقِفَ كَانَ يَصْرِفُ جَمِيعَ أَوْ جُلَّ الْغَلَّةِ فِي مَصَالِحِ الْمَحْجُورِ، فَلَوْ صَرَفَهَا فِي مَصَالِحِ نَفْسِهِ لَمْ تَصِحَّ الْحِيَازَةُ.

قَالَ خَلِيلٌ مُسْتَثْنِيًا فِي اشْتِرَاطِ الْحَوْزِ الْحِسِّيِّ: إلَّا لِمَحْجُورِهِ إذَا أَشْهَدَ وَصَرَفَ الْغَلَّةَ لَهُ وَلَمْ تَكُنْ دَارَ سُكْنَاهُ.

(تَنْبِيهٌ) لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ مَا لَوْ حِيزَتْ دَارُ السُّكْنَى أَوْ غَيْرُهَا مِمَّا لَهُ غَلَّةٌ بَعْدَ وَقْفِهَا ثُمَّ عَادَ الْوَاقِفُ لِسُكْنَاهَا بَعْدَ حِيَازَتِهَا وَفِي ذَلِكَ تَفْضِيلٌ، فَإِنْ عَادَ بَعْدَ حَوْزِهَا عَامًا لَمْ يَبْطُلْ تَحْبِيسُهَا لِحُصُولِ شُهْرَةِ وَقْفِيَّتِهَا، وَإِنْ عَادَ لَهَا قَبْلَ مُضِيِّ عَامٍ مِنْ يَوْمِ التَّحْبِيسِ بَطَلَ تَحْبِيسُهَا.

قَالَ خَلِيلٌ: وَبَطَلَ عَلَى مَعْصِيَةٍ وَحَرْبِيٍّ وَكَافِرٍ لِكَمَسْجِدٍ، أَوْ عَلَى بَنِيهِ دُونَ بَنَاتِهِ، أَوْ عَادَ لِسُكْنَى مَسْكَنِهِ قَبْلَ عَامٍ، أَوْ جَهِلَ سَبْقَهُ لِدَيْنٍ إنْ كَانَ عَلَى مَحْجُورٍ أَوْ عَلَى نَفْسِهِ، أَوْ عَلَى أَنَّ النَّظَرَ لَهُ، أَوْ لَمْ يُجْرِهِ كَبِيرُ وَقْفٍ عَلَيْهِ وَلَوْ سَفِيهًا، أَوْ وَلِيَّ صَغِيرٍ، أَوْ لَمْ يُخْلِ بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَ كَمَسْجِدٍ قَبْلَ فَلَسِهِ وَمَوْتِهِ وَمَرَضِهِ إلَّا لِمَحْجُورِهِ إذَا أَشْهَدَ وَصَرَفَ الْغَلَّةَ لَهُ وَلَمْ تَكُنْ دَارَ سُكْنَاهُ، أَوْ عَلَى وَارِثٍ بِمَرَضِ مَوْتِهِ إلَّا مُعْقَبًا خَرَجَ مِنْ ثُلُثِهِ فَكَمِيرَاثٍ لِلْوَارِثِ.

ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَنْ تَرْجِعُ لَهُ الذَّاتُ الْمَوْقُوفَةُ بَعْدَ انْقِرَاضِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَإِنْ انْقَرَضَ) أَيْ انْقَطَعَ (مَنْ حُبِّسَتْ عَلَيْهِ) الدَّارُ وَنَحْوُهَا عَلَى التَّأْبِيدِ أَوْ مُدَّةً مِنْ الزَّمَانِ وَلَمْ تَنْقَضِ (رَجَعَتْ حَبْسًا عَلَى) فُقَرَاءِ (أَقْرَبِ النَّاسِ بِالْمُحَبِّسِ يَوْمَ الْمَرْجِعِ) قَالَ خَلِيلٌ: رُوجِعَ إنْ انْقَطَعَ لِأَقْرَبِ فُقَرَاءِ عَصَبَةِ الْمُحَبِّسِ، وَامْرَأَةٌ لَوْ رَجَلَتْ لَعَصَّبَتْ وَيَسْتَوِي فِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى، وَلَوْ كَانَ الْوَاقِفُ شَرَطَ فِي أَصْلِ وَقْفِهِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ لِأَنَّ الْمَرْجِعَ لَيْسَ فِيهِ شَرْطٌ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ يَوْمَ الْمَرْجِعِ إلَّا ابْنَةٌ وَاحِدَةٌ لَكَانَ لَهَا جَمِيعُهُ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ لَهُ قَرِيبٌ يَوْمَ الْمَرْجِعِ فَإِنَّهُ يُصْرَفُ لِلْفُقَرَاءِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَدَقَةً وَذُو رَحِمٍ مُحْتَاجٌ» . وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اجْعَلْهَا فِي أَقَارِبِك» . وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ رُجُوعُهَا لِأَقْرَبِ فُقَرَاءِ عَصَبَةِ الْمُحَبِّسِ وَلَوْ كَانَ الْمُحَبِّسُ حَيًّا وَهُوَ كَذَلِكَ، وَلَا يَدْخُلُ فِي الْوَقْفِ وَلَوْ صَارَ فَقِيرًا لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَدْخُلُ فِي صَدَقَةِ نَفْسِهِ، كَمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِ أَبِيهِ لَا يَدْخُلُ هُوَ فِيهِمْ، وَكَمَنْ عَزَلَ زَكَاةَ مَالِهِ وَلَمْ يَدْفَعْهَا لِلْفُقَرَاءِ حَتَّى ضَاعَ الْأَصْلُ وَصَارَ فَقِيرًا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَ سَهْمَ الْفُقَرَاءِ، لِأَنَّهُ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ بِضَيَاعِ الْأَصْلِ وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ وَلَوْ صَارَ فَقِيرًا.

(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: أَفْهَمَ قَوْلُهُ: مَنْ حُبِّسَتْ عَلَيْهِ أَنَّ الْمُحَبِّسَ عَلَيْهِ جِهَةٌ مُعَيَّنَةٌ كَزَيْدٍ وَذُرِّيَّتِهِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ نَحْوَ الْفُقَرَاءِ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ لَا تَنْقَطِعُ فَلَا يَتَأَتَّى هَذَا الْحُكْمُ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى مَسْجِدٍ أَوْ قَنْطَرَةٍ وَحَصَلَ فِيهِمَا انْهِدَامٌ فَأَشَارَ إلَيْهِ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: وَفِي كَقَنْطَرَةٍ لَمْ يُرْجَ عَوْدُهَا فِي مِثْلِهَا، وَأَمَّا لَوْ كَانَ يُرْجَى عَوْدُهَا فَإِنَّهُ يُحَبِّسُ لَهَا.

الثَّانِي: إنَّمَا قُلْنَا عَلَى التَّأْبِيدِ أَوْ مُدَّةً وَلَمْ تَنْقَضِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْوَقْفِ مُدَّةً وَانْقَضَتْ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ مِلْكًا لِوَاقِفِهِ إنْ كَانَ حَيًّا وَلِوَارِثِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ.

الثَّالِثُ: عُلِمَ مِمَّا قَرَّرْنَا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْوَقْفِ التَّأْبِيدُ خِلَافًا لِظَاهِرِ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ فِي تَعْرِيفِهِ، وَكَذَا قَالَ الْقَرَافِيُّ فِي الذَّخِيرَةِ: الْوَقْفُ يَتَنَوَّعُ إلَى خَمْسَةِ أَنْوَاعٍ: مُنْقَطِعُ الْأَوَّلِ، مُنْقَطِعُ الْآخِرِ، مُنْقَطِعُ الطَّرَفَيْنِ، مُنْقَطِعُ الْوَسَطِ، مُنْقَطِعُ الطَّرَفَيْنِ وَالْوَسَطِ، فَالْأَوَّلُ: كَالْوَقْفِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَى مَعْصِيَةٍ أَوْ عَلَى مَيِّتٍ لَا يَنْتَفِعُ ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ. وَالثَّانِي: كَالْوَقْفِ عَلَى أَوْلَادِهِ ثُمَّ عَلَى مَعْصِيَةٍ. وَالثَّالِثُ: كَالْوَقْفِ عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِ ثُمَّ عَلَى مَيِّتٍ لَا يَنْتَفِعُ. وَالرَّابِعُ: كَالْوَقْفِ عَلَى أَوْلَادِهِمْ ثُمَّ عَلَى مَعْصِيَةٍ ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ. وَالْخَامِسُ: كَالْوَقْفِ عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِ ثُمَّ عَلَى الْمُحَارِبِينَ فِي جِهَةٍ مُعَيَّنَةٍ ثُمَّ عَلَى مَدْرَسَةٍ مُعَيَّنَةٍ ثُمَّ عَلَى الْكَنِيسَةِ، وَالظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِنَا أَنَّهُ يَبْطُلُ فِيمَا لَا يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَيْهِ، وَيَصِحُّ إذَا أَمْكَنَ الْوُصُولُ إلَيْهِ، وَلَا يَضُرُّ الِانْقِطَاعُ لِأَنَّ الْوَقْفَ نَوْعٌ مِنْ التَّمْلِيكِ فِي الْمَنَافِعِ أَوْ الْأَعْيَانِ، فَجَازَ أَنْ يَعُمَّ أَوْ يَخُصَّ كَالْعَوَارِيِّ وَالْهِبَاتِ وَالْوَصَايَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُمْنَعُ مُنْقَطِعُ الِابْتِدَاءِ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ الِانْتِهَاءِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُمْنَعُ مُنْقَطِعُ الِانْتِهَاءِ، وَقَالَ أَحْمَدُ: يُمْنَعُ مُنْقَطِعُ الِانْتِهَاءِ وَالْوَسَطِ، هَكَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.

ثُمَّ شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْعُمْرَى بِضَمِّ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الْمِيمِ وَهِيَ بِالْقَصْرِ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْعُمْرِ لِوُقُوعِهِ ظَرْفًا لَهَا، وَعَرَّفَهَا ابْنُ عَرَفَةَ بِقَوْلِهِ: هِيَ تَمْلِيكُ مَنْفَعَةٍ حَيَاةَ الْمُعْطَى بِغَيْرِ عِوَضٍ إنْشَاءً، فَيَخْرُجُ إعْطَاءُ الذَّاتِ وَيَخْرُجُ بِحَيَاةِ الْمُعْطَى الْحُبُسُ وَالْعَارِيَّةُ وَالْمُعْطَى فِي كَلَامِهِ بِفَتْحِ الطَّاءِ، وَأَمَّا تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ حَيَاةَ الْمُعْطِي بِالْكَسْرِ فَهِيَ عَارِيَّةٌ حَقِيقَةً، وَإِنْ أَطْلَقَ عَلَيْهَا لَفْظَ الْعُمْرَى فَعَلَى جِهَةِ الْمَجَازِ، وَيَخْرُجُ بِقَوْلِهِ: بِغَيْرِ عِوَضٍ الْإِجَارَةُ الْفَاسِدَةُ، وَيَخْرُجُ بِإِنْشَاءِ الْحُكْمِ بِاسْتِحْقَاقِ الْعُمْرَى وَحُكْمُهَا النَّدْبُ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَهِيَ مِنْ الْأَرْكَانِ كَالْهِبَةِ وَصِيغَتُهَا أَعَمَرْتُك وَأَسْكَنْتُك، وَتَجُوزُ فِي الدُّورِ وَالرَّقِيقِ وَغَيْرِهِ مِنْ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ وَالْحُلِيِّ وَالنَّبَاتِ فَقَالَ: (وَمَنْ أَعْمَرَ رَجُلًا) أَوْ امْرَأَةً (حَيَاتَهُ دَارًا) أَوْ غَيْرَهَا لِيَنْتَفِعَ بِسُكْنَاهَا مُدَّةَ عُمْرِهِ صَحَّ ذَلِكَ وَ (رَجَعَتْ بَعْدَ مَوْتِ السَّاكِنِ مِلْكًا

<<  <  ج: ص:  >  >>