للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[الفواكه الدواني]

فِي إطْلَاقِهِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَعَنْ مَالِكٍ مَنْعُهُ وَقِيلَ يُكْرَهُ وَقِيلَ يَجُوزُ، وَلَا وَجْهَ لِمَنْعِ اسْتِعْمَالِهِ فِي غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى، فَقَدْ «قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الْحَسَنِ: إنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ وَفِي سَعْدٍ: قُومُوا لِسَيِّدِكُمْ وَأَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلَا فَخْرَ» .

(مُحَمَّدٌ) بَدَلٌ أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ وَهُوَ عَلَمٌ مَنْقُولٌ مِنْ اسْمِ مَفْعُولِ الْفِعْلِ الْمُضَعَّفِ، سُمِّيَ بِهِ أَفْضَلُ الْخَلْقِ نَبِيُّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِكَثْرَةِ خِصَالِهِ الْمَحْمُودَةِ، وَالْمُسَمِّي لَهُ جَدُّهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ رَجَاءَ أَنْ يَحْمَدَهُ أَهْلُ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ فَحَقَّقَ اللَّهُ رَجَاءَهُ.

(وَ) صَلَّى اللَّهُ عَلَى (آلِهِ) أَيْ أَتْقِيَاءِ أُمَّتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَمَا هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِتَعْمِيمِ الدُّعَاءِ كَمَا قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ وَجَمَاعَةٌ، بِخِلَافِ بَابِ الزَّكَاةِ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِمْ أَقَارِبُهُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَالْمُطَّلِبِ، وَآلُ اسْمُ جَمْعٍ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ مُشْتَقٌّ مِنْ آلَ يَئُولُ إذَا رَجَعَ إلَيْك بِقَرَابَةٍ وَنَحْوِهَا أَصْلُهُ أَوَلُ كَجَمَلٍ تَحَرَّكَتْ الْوَاوُ وَانْفَتَحَ مَا قَبْلَهَا قُلِبَتْ أَلِفًا، وَقِيلَ أَصْلُهُ أَهْلٌ قُلِبَتْ الْهَاءُ هَمْزَةً ثُمَّ الْهَمْزَةُ أَلِفًا لِوُقُوعِهَا سَاكِنَةً بَعْدَ فَتْحَةٍ، وَيَشْهَدُ لِلْأَوَّلِ تَصْغِيرُهُ عَلَى أُوَيْلُ، وَالثَّانِي تَصْغِيرُهُ عَلَى أُهَيْلُ، وَلَا يُضَافُ إلَّا لِمَنْ لَهُ شَرَفٌ وَلَوْ بِاعْتِبَارِ الدُّنْيَا فَيَدْخُلُ آلُ فِرْعَوْنَ، فَلَا يُقَالُ آلُ الْإِسْكَافِيِّ وَنَحْوُهُ مِنْ أَصْحَابِ الْحِرَفِ الرَّذِلَةِ بِخِلَافِ هَلْ فَيُضَافُ إلَى كُلِّ شَيْءٍ وَأَضَافَهُ لِلضَّمِيرِ إشَارَةً لِلْجَوَازِ خِلَافًا لِمَنْ مَنَعَ.

(وَ) صَلَّى اللَّهُ أَيْضًا عَلَى (صَحْبِهِ) اسْمُ جَمْعٍ لِصَاحِبٍ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ بِمَعْنَى الصَّحَابِيُّ وَجَمْعٌ لَهُ عِنْدَ الْأَخْفَشِ وَبِهِ جَزَمَ الْجَوْهَرِيُّ كَرَكْبٍ وَرَاكِبٍ، وَالصَّحَابِيُّ عُرْفًا كَمَا قَالَ ابْنُ حَجَرٍ مَنْ لَقِيَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُؤْمِنًا بِهِ وَمَاتَ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَالْمُرَادُ بِاللِّقَاءِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْمُجَالَسَةِ وَالْمُمَاشَاةِ، وَوُصُولِ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ وَإِنْ لَمْ يُكَالِمْهُ وَيَدْخُلُ فِيهِ رُؤْيَةُ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ، سَوَاءٌ كَانَ اللِّقَاءُ بِنَفْسِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ، وَالتَّعْبِيرُ بِاللِّقَاءِ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ: الصَّحَابِيُّ مَنْ رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ يُخْرِجُ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ وَنَحْوَهُ مِنْ الْعُمْيَانِ وَهُمْ صَحَابَةٌ بِلَا تَرَدُّدٍ، وَقَوْلِي مُؤْمِنًا كَالْفَصْلِ يُخْرِجُ مَنْ حَصَلَ لَهُ اللِّقَاءُ فِي حَالِ كُفْرِهِ، وَقَوْلِي بِهِ فَصْلٌ ثَانٍ يُخْرِجُ بِهِ مَنْ لَقِيَهُ مُؤْمِنًا بِغَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ، لَكِنْ هَلْ يُخْرِجُ مَنْ لَقِيَهُ مُؤْمِنًا بِأَنَّهُ سَيُبْعَثُ وَلَمْ يُدْرِكْ الْبَعْثَةَ فِيهِ نَظَرٌ، وَاَلَّذِي مَالَ إلَيْهِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ اعْتِبَارُ لَقِيَهُ بَعْدَ نُبُوَّتِهِ، وَنَقَلَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ حَجَرٍ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَاعْتَبَرَ جَمَاعَةٌ التَّمْيِيزَ وَأَلْغَاهُ آخَرُونَ، وَجَزَمَ الْجَلَالُ بِعَدِّ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ الصَّحَابَةِ، وَنُقِلَ عَنْ بَعْضِهِمْ عَدُّ الْخَضِرِ وَإِلْيَاسَ.

قَالَ الذَّهَبِيُّ: عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ نَبِيٌّ وَصَحَابِيٌّ فَإِنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ آخِرُ الصَّحَابَةِ مَوْتًا، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَشْتَرِطُ فِي اللَّقَى التَّعَارُفَ، وَقَدْ اعْتَبَرَهُ آخَرُونَ فَأَخْرَجُوهُمْ وَالْحَقُّ الدُّخُولُ، وَلَمَّا اُشْتُهِرَ عِنْدَ بَعْضِ الشُّيُوخِ كَرَاهَةُ إفْرَادِ الصَّلَاةِ عَنْ السَّلَامِ وَإِنْ كَانَ خَارِجَ الْمَذْهَبِ عَلَى مَا لِبَعْضِهِمْ جَمَعَ الْمُصَنِّفُ بَيْنَهُمَا فَقَالَ بِالْعِطْفِ عَلَى صَلَّى اللَّهُ.

(وَسَلَّمَ) أَيْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَا قِيلَ مِنْ كَرَاهَةِ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ فَذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِقْلَالِ، وَالْجُمْلَةُ خَبَرِيَّةٌ لَفْظًا إنْشَائِيَّةٌ مَعْنًى قَصَدَ بِهَا التَّضَرُّعَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِأَنْ يَرْحَمَ وَيُحْيِي نَبِيَّهُ، وَالْمُرَادُ بِرَحْمَتِهِ لِنَبِيِّهِ زِيَادَةُ تَكْرِمَةٍ لَهُ وَإِنْعَامٍ، وَبِالسَّلَامِ عَلَيْهِ تَأْمِينُهُ بِطَيِّبِ تَحِيَّةٍ وَإِعْظَامٍ، فَإِنْ قِيلَ مِمَّا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَفَاضَ عَلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلَّ كَمَالٍ لِبَشَرٍ أَوْ مَلَكٍ حَتَّى لَمْ يَبْقَ كَمَالٌ مِنْهَا إلَّا وَقَدْ أُفِيضَ عَلَيْهِ فَأَيُّ شَيْءٍ يُطْلَبُ حُصُولُهُ لَهُ؟ فَالْجَوَابُ مِنْ أَوْجُهٍ: مِنْهَا أَنَّ أَمْرَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إيَّانَا بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ مَحْضُ تَعَبُّدٍ.

وَمِنْهَا: أَنَّ ذَلِكَ عَلَى طَرِيقَةِ الشُّكْرِ لَهُ مِنَّا لِلْمُكَافَأَةِ لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِمَا فِي الْوُسْعِ.

وَمِنْهَا: أَنَّ ذَلِكَ لِطَلَبِ كَمَالٍ فِي سَعَةِ كَرْمِهِ تَعَالَى، عَلَّقَ حُصُولَهُ عَلَى الصَّلَاةِ مَثَلًا لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ جَمْعِهِ لِلْكَمَالَاتِ الْمُفَرَّقَةِ فِي الْمَلَكِ وَالْبَشَرِ أَنْ لَا يَكُونَ عِنْدَهُ تَعَالَى زِيَادَةٌ وَلِذَلِكَ يَقُولُونَ: الْكَامِلُ يَقْبَلُ الْكَمَالَ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ فَائِدَةَ الصَّلَاةِ عَائِدَةٌ عَلَيْنَا بِسَبَبِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَالَ حَيَاتِهِ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ لِمَا وَرَدَ مِنْ أَنَّهُ إذَا صَلَّى عَلَيْهِ أَحَدُنَا صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا.

١ -

(تَتِمَّةٌ) الصَّلَاةُ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُشْتَمِلَةٌ عَلَى بَيَانِ فَوَائِدِهَا وَهِيَ أَنَّهَا مَقْبُولَةٌ مِنْ كُلِّ مُؤْمِنٍ لِمَا وَرَدَ مِنْ أَنَّ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ مِنْ الْأَعْمَالِ مَقْبُولًا وَمَرْدُودًا إلَّا الصَّلَاةَ عَلَيْك فَإِنَّهَا مَقْبُولَةٌ غَيْرُ مَرْدُودَةٍ» وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ الدُّعَاءَ مَوْقُوفٌ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ حَتَّى يَبْدَأَهُ الدَّاعِي وَيَخْتِمَهُ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وَسُئِلَ الشَّيْخُ السَّنُوسِيُّ عَمَّا تَقَدَّمَ مِنْ كَوْنِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَقْبُولَةً غَيْرَ مَرْدُودَةٍ هَلْ هُوَ صَحِيحٌ؟ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ مُشْكِلٌ إذْ لَوْ قَطَعَ بِقَبُولِهَا لَقَطَعَ لِلْمُصَلِّي عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِحُسْنِ الْخَاتِمَةِ، وَيُجَابُ بِأَنَّ مَعْنَى الْقَطْعِ بِقَبُولِهَا إذَا خُتِمَ لِلْمُصَلِّي بِالْإِيمَانِ وَجَدَ حَسَنَتَهَا قَطْعًا مَقْبُولَةً مِنْ غَيْرِ رَيْبٍ، بِخِلَافِ سَائِرِ الْحَسَنَاتِ لَا وُثُوقَ بِقَبُولِهِمَا وَإِنْ مَاتَ صَاحِبُهَا عَلَى الْإِيمَانِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ قَبُولَهَا عَلَى الْقَطْعِ إذَا صَدَرَتْ مِنْ صَاحِبِهَا مَحَبَّةً فِي الْمُصْطَفَى فَيُقْطَعُ بِانْتِفَاعِهِ بِهَا فِي الْآخِرَةِ وَلَوْ بِتَخْفِيفِ الْعَذَابِ عَنْهُ إنْ قَضَى عَلَيْهِ بِهِ وَلَوْ عَلَى سَبِيلِ الْخُلُودِ لِعِظَمِ مَحَبَّتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَانْتِفَاعِ أَبِي لَهَبٍ بِسَقْيِهِ فِي نُقْرَةِ إيهَامِهِ وَتَخْفِيفِ عَذَابِهِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ لِعِتْقِهِ مُبَشِّرَتَهُ بِوِلَادَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا حَصَلَ انْتِفَاعُهَا بِحُبٍّ طَبِيعِيٍّ وَكَانَ لِغَيْرِهِ تَعَالَى فَكَيْفَ بِحُبِّ الْمُؤْمِنِ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ انْتَهَى مِنْ كِفَايَةِ الْمُحْتَاجِ.

وَلَهَا فَضَائِلُ لَا تُحْصَى فَمِنْهَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ وَهُوَ عَنْهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>