قَالَتْ امْرَأَةٌ بِهَا حَمْلٌ اُسْتُكْرِهَتْ لَمْ تُصَدَّقْ وَحُدَّتْ إلَّا أَنْ تُعْرَفَ بَيِّنَةٌ أَنَّهَا احْتَمَلَتْ حَتَّى غَابَ عَلَيْهَا أَوْ جَاءَتْ مُسْتَغِيثَةً عِنْدَ النَّازِلَةِ أَوْ جَاءَتْ تُدْمِي.
وَالنَّصْرَانِيُّ إذَا غَصَبَ الْمُسْلِمَةَ فِي الزِّنَا قُتِلَ.
وَإِنْ رَجَعَ الْمُقِرُّ بِالزِّنَا أُقِيلَ وَتُرِكَ.
ــ
[الفواكه الدواني]
الْوَاطِئِ حَتَّى مَاتَتْ لَمْ تَسْقُطْ عَنْهُ قِيمَتُهَا لِأَنَّ الْقِيمَةَ تَرَتَّبَتْ مِنْ حِينِ الْوَطْءِ.
(وَإِنْ قَالَتْ امْرَأَةٌ) لَا زَوْجَ لَهَا وَلَا سَيِّدَ حِينَ ظَهَرَ (بِهَا حَمْلٌ) وَأُرِيدَ إقَامَةُ الْحَدِّ عَلَيْهَا (اُسْتُكْرِهْت) أَيْ أَكْرَهَنِي مَنْ لَا أَسْتَطِيعُ دَفْعَهُ عَنِّي وَفَعَلَ بِي.
(لَمْ تُصَدَّقْ) فِي دَعْوَاهَا الْإِكْرَاهَ (وَحُدَّتْ) لِأَنَّ الْأَصْلَ الطَّوْعُ حَتَّى يَثْبُتَ الْإِكْرَاهُ وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَتْ مِمَّا يَلِيقُ بِهَا ذَلِكَ أَمْ لَا عَلَى الْمَشْهُورِ، وَلِأَنَّ تَصْدِيقَهَا ذَرِيعَةٌ إلَى كَثْرَةِ الزِّنَا، وَلَا سِيَّمَا مَعَ قِلَّةِ دِينِ النِّسَاءِ وَمَيْلِهِنَّ لِلْوَطْءِ.
ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ مَحَلَّ عَدَمِ تَصْدِيقِهَا مَا لَمْ تَظْهَرْ أَمَارَةُ صِدْقِهَا بِقَوْلِهِ: (إلَّا أَنْ تَعْرِفَ) أَيْ تَشْهَدَ (بَيِّنَةٌ) عَادِلَةٌ قِيلَ اثْنَانِ، وَقَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ: يَكْفِي الْوَاحِدُ لِأَنَّهُ خَبَرٌ وَخَبَرُهُ يُورِثُ الشُّبْهَةَ الْمُسْقِطَةَ الْحَدِّ مِنْ بَابِ أَوْلَى مِنْ إسْقَاطِهِ بِاسْتِغَاثَتِهَا.
(أَنَّهَا اُحْتُمِلَتْ) أَيْ أُخِذَتْ قَهْرًا وَعَايَنَتْ الْبَيِّنَةُ غَصْبَهَا وَإِكْرَاهَهَا.
(حَتَّى غَابَ عَلَيْهَا) الْمُكْرِهُ لَهَا (أَوْ) إلَّا أَنْ تَكُونَ قَدْ (جَاءَتْ مُسْتَغِيثَةً) أَيْ مُتَظَلِّمَةً (عِنْدَ) تِلْكَ (النَّازِلَةِ) أَيْ عِنْدَ وُقُوعِ الزِّنَا بِهَا لِأَنَّ مَجِيئَهَا صَائِحَةً قَرِينَةُ غَصْبِهَا.
(أَوْ) إلَّا أَنْ تَكُونَ قَدْ (جَاءَتْ) إلَيْنَا حَالَةَ كَوْنِهَا (تُدْمِي) أَيْ يَسِيلُ دَمُهَا مِنْ قُبُلِهَا فَلَا تُحَدُّ فِي صُورَةٍ مِنْ تِلْكَ الصُّوَرِ، هَذَا تَقْرِيرُ كَلَامِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الْأَوَّلَيْنِ، وَأَمَّا فِي الْأَخِيرَةِ فَعَدَمُ حَدِّهَا فِي غَايَةِ الْإِشْكَالِ، وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَكْفِي فِي عَدَمِ حَدِّهَا مُجَرَّدُ مَجِيئُهَا تُدْمِي، بَلْ لَا يَسْقُطُ حَدُّهَا بَعْدَ تَحَقُّقِ الْفِعْلِ بِهَا إلَّا بِقَرِينَةٍ تَدُلُّ عَلَى صِدْقِهَا، كَمَجِيئِهَا صَائِحَةً أَوْ مُتَعَلِّقَةً بِمَنْ ادَّعَتْ عَلَيْهِ لَا إنْ ادَّعَتْ عَلَى شَخْصٍ أَنَّهُ زَنَى بِهَا وَلَمْ تَتَعَلَّقْ بِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ حَدِّهَا.
وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَإِنْ قَالَتْ امْرَأَةٌ: اُسْتُكْرِهْت لَمْ تُصَدَّقْ، وَقَالَ خَلِيلٌ: وَإِنْ ادَّعَتْ اسْتِكْرَاهًا عَلَى غَيْرِ لَائِقٍ بِلَا تَعَلُّقٍ حُدَّتْ لَهُ أَيْ لِلزِّنَا، وَأَمَّا لَوْ تَعَلَّقَتْ بِهِ فَلَا حَدَّ عَلَيْهَا لِلزِّنَا وَتُحَدُّ لَهُ لِلْقَذْفِ مُطْلَقًا وَلَوْ تَعَلَّقَتْ بِهِ، وَأَمَّا لَوْ ادَّعَتْ عَلَى فَاسِقٍ فَلَا حَدَّ عَلَيْهَا لِلْقَذْفِ مُطْلَقًا، وَأَمَّا لِلزِّنَا فَتَحُدُّ لَهُ بِشَرْطَيْنِ أَنْ تَحْمِلْ وَلَمْ تَتَعَلَّقْ، وَأَمَّا لَوْ ادَّعَتْ عَلَى مَجْهُولِ الْحَالِ فَتَحُدُّ لِلزِّنَا إنْ لَمْ تَتَعَلَّقْ وَيَسْقُطُ عَنْهَا إنْ تَعَلَّقَتْ بِهِ كَدَعْوَاهَا عَلَى صَالِحٍ، وَأَمَّا حَدُّهَا لِلْقَذْفِ فِي دَعْوَاهَا عَلَى مَجْهُولِ الْحَالِ فَيَلْزَمُهَا إنْ لَمْ تَتَعَلَّقْ مُطْلَقًا، كَأَنْ تَعَلَّقَتْ إنْ كَانَتْ تَخْشَى فَضِيحَةَ نَفْسِهَا وَإِلَّا فَفِي حَدِّهَا خِلَافٌ، فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَهُ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ: صَالِحٌ وَفَاسِقٌ وَمَجْهُولُ الْحَالِ، وَفِي كُلٍّ مِنْ الثَّلَاثِ إمَّا أَنْ تَتَعَلَّقَ أَوْ لَا، وَقَدْ اسْتَوْفَيْنَا أَحْكَامَهَا مِنْ جِهَةِ الْحَدِّ وَعَدَمِهِ، وَسَكَتَ خَلِيلٌ عَنْ الصَّدَاقِ وَالْحُكْمُ أَنَّهَا لَا تَسْتَحِقُّهُ فِي صُورَةٍ مِنْ الصُّوَرِ، إلَّا فِي صُورَةٍ مَنْصُوصَةٍ لِمَالِكٍ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْمَغْصُوبَةِ: تَحْمِلُ بِمُعَايَنَةِ بَيِّنَةٍ ثُمَّ تَخْرُجُ فَتَقُولُ: وَطِئَنِي غَصْبًا وَهُوَ يُنْكِرُ فَلَهَا الْمَهْرُ وَلَا حَدَّ عَلَيْهَا.
قَالَ اللَّخْمِيُّ: إنْ ثَبَتَ وَطْؤُهُ الْحُرَّةَ بِإِقْرَارِهِ لِأَرْبَعَةِ رِجَالٍ أَوْ بِمُعَايَنَةِ أَرْبَعَةِ رِجَالٍ لِلْوَطْءِ وَيُحَدُّ وَمَا دُونَهُمْ لَغْوٌ لِأَنَّهُمْ قَذَفَةٌ، وَأَمَّا لَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى إقْرَارِهِ فَقَالَ مُحَمَّدٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: يَجِبُ بِهِمَا الْمَهْرُ، وَأَمَّا لَوْ شَهِدَ وَاحِدٌ بِاعْتِرَافِهِ حَلَفَتْ وَاسْتَحَقَّتْ وَفِيهِ خِلَافٌ.
وَلَمَّا كَانَ الزِّنَا شَرْعًا وَطْءُ الْمُسْلِمِ الْمُكَلَّفِ فَرْجَ آدَمِيٍّ لَا شُبْهَةَ لَهُ فِيهِ ذَكَرَ مَفْهُومَ الْمُسْلِمِ بِقَوْلِهِ: (وَالنَّصْرَانِيُّ) الْمُرَادُ الذِّمِّيُّ حَتَّى النَّازِلُ بِأَمَانٍ. (إذَا غَصَبَ) الْحُرَّةَ (الْمُسْلِمَةَ فِي الزِّنَا) وَثَبَتَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ رَأَوْهُ كَالْمِرْوَدِ فِي الْمُكْحُلَةِ عَلَى مَا رَجَعَ إلَيْهِ ابْنُ الْقَاسِمِ.
(قُتِلَ) لِنَقْضِهِ عَهْدَهُ وَالْوَلَدُ الْمُتَخَلِّقُ مِنْ وَطْئِهِ عَلَى دِينِ أُمِّهِ وَلَا يَلْحَقُ أَبَاهُ وَلَوْ أَسْلَمَ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ الصَّدَاقُ مِثْلُهَا مِنْ مَالِهِ، وَمَفْهُومُ غَصَبَ أَنَّهَا لَوْ طَاوَعَتْهُ لَا يُقْتَلُ وَلَا يُحَدُّ فَإِنَّمَا يُعَاقَبُ، وَأَمَّا هِيَ فَتُحَدُّ، وَقَيَّدْنَا بِالْحُرَّةِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْأَمَةِ الْمُسْلِمَةِ فَلَا يُقْتَلُ بِغَصْبِهَا وَإِنَّمَا عَلَيْهِ الْعُقُوبَةُ وَمَا نَقَصَ مِنْ ثَمَنِهَا، وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْحُرَّةِ أَنَّ الْأَمَةَ مَالٌ وَلَا قَتْلَ بِالْجِنَايَةِ عَلَى الْمَالِ، وَأَمَّا لَوْ تَزَوَّجَ الذِّمِّيُّ الْحُرَّةَ الْمُسْلِمَةَ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ بِكَوْنِهِ ذِمِّيًّا فَلَا حَدَّ عَلَيْهَا، وَاخْتُلِفَ فِي قَتْلِهِ وَالظَّاهِرُ قَتْلُهُ لِأَنَّهُ يُقْتَلُ بِالتَّطَلُّعِ عَلَى عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَمَّا لَوْ عَلِمَتْ بِأَنَّهُ ذِمِّيٌّ وَتَزَوَّجَتْهُ فَإِنْ كَانَتْ تَجْهَلُ تَحْرِيمَ نِكَاحِهِمْ فَلَا حَدَّ عَلَيْهَا وَإِلَّا فَقَوْلَانِ، وَأَمَّا هُوَ فَلَا يُقْتَلُ وَإِنَّمَا يُعَاقَبُ عُقُوبَةً شَدِيدَةً، وَمَفْهُومُ الْمُسْلِمَةِ لَوْ غَصَبَ الْحُرَّةَ الْكِتَابِيَّةَ وَهِيَ زَوْجَةُ الْمُسْلِمِ فِي قَتْلِهِ لِحُرْمَةِ الْمُسْلِمِ وَعُقُوبَتُهُ قَوْلَانِ.
وَلَمَّا قَدَّمَ أَنَّ الزِّنَا يَثْبُتُ بِالْإِقْرَارِ وَكَانَ يُتَوَهَّمُ مِنْهُ لُزُومُ الْحَدِّ وَإِنْ رَجَعَ عَنْ إقْرَارِهِ قَالَ: (وَإِنْ رَجَعَ الْمُقِرُّ) عَلَى نَفْسِهِ (بِالزِّنَا) طَائِعًا (أُقِيلَ وَتُرِكَ) تَفْسِيرٌ لِمَا قَبْلَهُ وَلَا يَلْزَمُهُ حَدٌّ وَلَا أَدَبٌ، سَوَاءٌ رَجَعَ فِي الْحَدِّ أَوْ قَبْلَهُ رَجَعَ لِشُبْهَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، مِثَالُ الشُّبْهَةِ أَنْ يَقُولَ: إذَا وَطِئْت زَوْجَتِي فِي الْحَيْضِ أَوْ وَقَعَ عَقْدُهَا فَاسِدًا فَاعْتَقَدَ أَنَّ الْوَطْءَ الْمُسْتَنِدَ لِمِثْلِ ذَلِكَ يُسَمَّى زِنًا، وَأَمَّا الْهُرُوبُ فَإِنْ كَانَ فِي أَثْنَاءِ الْحَدِّ فَكَالرُّجُوعِ يُسْقِطُ عَنْهُ الْحَدَّ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْحَدِّ فَلَا يَسْقُطُ حَدُّهُ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْهُرُوبَ فِي أَثْنَاءِ الْحَدِّ يَدُلُّ عَلَى الرُّجُوعِ لِإِذَاقَتِهِ الْعَذَابَ بِخِلَافِهِ قَبْلَهُ، خِلَافًا لِظَاهِرِ كَلَامِ خَلِيلٍ وَمِثْلُ رُجُوعِهِ مَا إذَا شَهِدَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِإِقْرَارِهِ بِالزِّنَا وَالْحَالُ أَنَّهُ مُنْكِرٌ لِذَلِكَ، فَإِنَّ إنْكَارَهُ يُعَدُّ رُجُوعًا عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَاعْلَمْ أَنَّ رُجُوعَهُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ إنَّمَا يَنْفَعُهُ فِي إسْقَاطِ الْحَدِّ عَنْهُ لَا فِي عَدَمِ لُزُومِ صَدَاقِ الْمَزْنِيِّ بِهَا فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ حَيْثُ كَانَتْ مُكْرَهَةً.
(تَنْبِيهٌ) إنَّمَا سَقَطَ الْحَدُّ بِالرُّجُوعِ لِأَنَّ الْحُدُودَ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ، وَبِتَكْذِيبِ نَفْسِهِ بِرُجُوعِهِ