للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ لِرَجُلٍ يَا لُوطِيُّ حُدَّ.

وَمَنْ قَذَفَ جَمَاعَةً فَحَدٌّ وَاحِدٌ يَلْزَمُهُ لِمَنْ قَامَ بِهِ مِنْهُمْ ثُمَّ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ.

وَمَنْ كَرَّرَ شُرْبَ الْخَمْرِ

ــ

[الفواكه الدواني]

لِضِدِّهِ (الْحَدُّ) حَيْثُ كَانَ بِلَفْظٍ مُفْهِمٍ.

قَالَ خَلِيلٌ: أَوْ عَرَّضَ غَيْرُ أَبٍ إنْ أَفْهَمَ أَيْ أَفْهَمَ الرَّمْيَ بِالزِّنَا أَوْ يَنْفِي النَّسَبَ عَنْ أَبِيهِ أَوْ عَنْ جَدِّهِ لِأَبِيهِ، مِثَالُ التَّعْرِيضِ كَمَا قَالَ خَلِيلٌ: كَلَسْت بِزَانٍ أَوْ زَنَتْ عَيْنُك أَوْ مُكْرَهَةٌ أَوْ عَفِيفُ الْفَرْجِ، أَوْ لِعَرَبِيٍّ: مَا أَنْتَ بِحُرٍّ، أَوْ يَا رُومِيُّ كَانَ نَسَبُهُ لِعَمِّهِ بِخِلَافِ جَدِّهِ فَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ الْقَائِلِ الْحَدُّ كَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى مَنْ صَرَّحَ بِلَفْظِ الْقَذْفِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ التَّعْرِيضِ بِالنَّثْرِ أَوْ الشِّعْرِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ التَّعْرِيضُ مِنْ الْأَبِ لِوَلَدِهِ فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ لِبُعْدِهِ عَنْ التُّهْمَةِ فِي وَلَدِهِ وَلَا يُؤَدَّبُ أَيْضًا، وَأَمَّا لَوْ صَرَّحَ لِوَلَدِهِ لَحُدَّ هَكَذَا مُفَادُ كَلَامِ خَلِيلٍ، وَقَالَ بَعْضُ شُرَّاحِهِ: الْمُعْتَمَدُ خِلَافُهُ وَأَنَّهُ لَا حَدَّ عَلَى الْأَبِ يَرْمِي وَلَدَهُ وَلَوْ صَرَّحَ بِقَذْفِهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا قَالَ الْمُصَنِّفُ مَا رُوِيَ فِي الْمُوَطَّإِ أَنَّ رَجُلَيْنِ تَسَابَّا فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ: وَاَللَّهِ لَيْسَ أَبِي بِزَانٍ وَلَا أُمِّي بِزَانِيَةٍ، فَاسْتَشَارَ فِي ذَلِكَ عُمَرَ فَقَالَ قَائِلٌ: مَدَحَ أَبَاهُ وَأُمَّهُ، وَقَالَ آخَرُونَ: كَانَ لِأُمِّهِ وَأَبِيهِ مَدْحٌ غَيْرَ هَذَا نَرَى أَنْ تَجْلِدَهُ الْحَدَّ، فَجَلَدَهُ عُمَرُ الْحَدَّ ثَمَانِينَ جَلْدَةً.

(وَمَنْ قَالَ) مِنْ الْمُكَلَّفِينَ (لِرَجُلٍ) عَفِيفٍ عَنْ وَطْءٍ يُوجِبُ الْحَدَّ وَلَهُ آلَةٌ (يَا لُوطِيُّ) أَوْ يَا زَانِي (حُدَّ) ثَمَانِينَ جَلْدَةً إنْ كَانَ حُرًّا، وَأَمَّا لَوْ قَذَفَ غَيْرَ عَفِيفٍ وَهُوَ مَنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ الزِّنَا فَإِنَّهُ لَا حَدَّ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ كَانَ ثُبُوتُ زِنَاهُ قَبْلَ قَذْفِهِ أَوْ بَعْدَهُ، وَلَكِنْ قَبْلَ إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَى الْقَاذِفِ، وَالْعَفِيفُ صَادِقٌ بِمَنْ لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ وَطْءٌ مُحَرَّمٌ وَبِمَنْ حَصَلَ مِنْهُ، لَكِنْ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ كَوَطْءِ بَهِيمَةٍ، وَقَوْلُنَا بِآلَةٍ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ قَاذِفِ الْمَجْبُوبِ بِفِعْلِ الزِّنَا فَإِنَّهُ لَا حَدَّ عَلَيْهِ لِلْقَطْعِ بِكَذِبِهِ، وَمِثْلُهُ مَنْ لَهُ ذَكَرٌ صَغِيرٌ لَا يَتَأَتَّى بِهِ الْجِمَاعُ، وَعَدَمُ الْحَدِّ لِمَنْ ذُكِرَ لَا يُنَافِي أَنَّهُ يُؤَدَّبُ بِمَا يَرَاهُ الْحَاكِمُ مِنْ أَلْفَاظِ الْقَذْفِ قَوْلُ الْمُكَلَّفِ لِنَفْسِهِ: أَنَا نَعْلٌ أَوْ أَنَا وَلَدُ زِنًا، وَإِنَّمَا حُدَّ لِنِسْبَةِ أُمِّهِ لِلزِّنَا، أَوْ قَالَ لِامْرَأَةٍ يَا قَحْبَةُ، أَوْ قَالَ لِرَجُلٍ يَا قُرْبَانُ، أَوْ يَا ابْنَ مُنْزِلَةِ الرُّكْبَانِ، أَوْ ذَاتِ الرَّايَةِ، أَوْ يَا عَرْصُ، أَوْ يَا تَيْسُ، أَوْ قَالَ لِشَخْصٍ مُطِيقٍ لِلِّوَاطِ وَلَوْ غَيْرَ بَالِغٍ يَا عِلْقُ، أَوْ يَا بَقَرَةُ، أَوْ يَا حِمَارَةُ، أَوْ يَا مُخَنَّثُ.

قَالَ الْقَرَافِيُّ فِي الذَّخِيرَةِ: وَضَابِطُ هَذَا الْبَابِ الِاشْتِهَارَاتُ الْعُرْفِيَّةُ وَالْقَرَائِنُ الْحَالِيَّةُ فَمَتَى فُقِدَ أُحْلِفَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ الْقَذْفَ وَلَا يُحَدُّ، وَمَتَى وُجِدَ أَحَدُهُمَا حُدَّ، وَإِنْ انْتَقَلَ الْعُرْفُ وَبَطَلَ بَطَلَ الْحَدُّ، كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ: يَا نَدْلُ فَإِنَّهُ فِي الْأَصْلِ زَوْجُ الزَّانِيَةِ، وَالْآنَ اُشْتُهِرَ فِي عَدَمِ الْكَرَمِ أَوْ عَدَمِ الشَّجَاعَةِ فَلَا حَدَّ بِهِ.

(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ مَا يَثْبُتُ بِهِ حَدُّ الْقَذْفِ، وَبَيَّنَهُ غَيْرُهُ بِأَنَّهُ يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ عَلَى الْقَذْفِ أَوْ عَلَى الْإِقْرَارِ بِهِ، وَاخْتُلِفَ فِي ثُبُوتِهِ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ وَالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ.

قَالَ الْقَرَافِيُّ: يَجْرِي فِيهِ مَا جَرَى فِي شَهَادَتِهِنَّ عَلَى جِرَاحِ الْعَمْدِ، وَفِي الْقِصَاصِ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ، وَأَقُولُ: قَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْقَذْفِ وَجِرَاحِ الْعَمْدِ بِأَنَّ الْجِرَاحَ قَدْ تَئُولُ إلَى الْمَالِ وَهُوَ مَحَلٌّ لِشَهَادَتِهِنَّ بِخِلَافِ حَدِّ الْقَذْفِ فَتَأَمَّلْهُ.

الثَّانِي: إذَا تَابَ الْقَاذِفُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ وَأَبِي حَنِيفَةَ إذَا لَمْ يُحَدَّ بِالْفِعْلِ أَخْذًا مِنْ آيَةِ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور: ٤] إلَخْ لِأَنَّهُ رَتَّبَ عَدَمَ قَبُولِ شَهَادَتِهِ أَبَدًا عَلَى عَدَمِ الْإِتْيَانِ بِأَرْبَعِ شُهَدَاءَ.

الثَّالِثُ: إذَا قَامَ الْقَاذِفُ شَاهِدَيْنِ أَنَّ الْوَالِيَ ضَرَبَ الْمَقْذُوفَ فِي الْحَدِّ فِي الزِّنَا لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الْحَدُّ وَحُدَّ الشَّاهِدَانِ مَعَهُ وَلَا يَنْدَفِعُ عَنْهُ إلَّا بِشَهَادَةِ أَرْبَعٍ عَلَى رُؤْيَةِ الزِّنَا، هَذَا مُلَخَّصُ كَلَامِ النَّوَادِرِ.

(فُرُوعٌ) الْأَوَّلُ: قَالَ فِي الْكِتَابِ: إذَا قَالَ: الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ عَبِيدٌ، أَيْ وَادَّعَتْ الشُّهُودُ الْحُرِّيَّةَ صُدِّقَتْ الشُّهُودُ وَحُدَّ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْحُرِّيَّةُ.

الْفَرْعُ الثَّانِي: إذَا قَالَ الْقَاذِفُ: الْمَقْذُوفُ عَبْدٌ فَإِنْ ادَّعَى بَيِّنَةً قَرِيبَةً أُمْهِلَ وَإِلَّا جُلِدَ، فَإِنْ أَتَى بِهَا بَعْدَ الْجَلْدِ زَالَتْ عَنْهُ جُرْحَةُ الْحَدِّ وَلَا أَرْشَ لَهُ فِي الضَّرْبِ.

الْفَرْعُ الثَّالِثُ: إذَا مَاتَ الْمَقْذُوفُ قَبْلَ حَدِّ الْقَاذِفِ قَامَ وَارِثُهُ مَقَامَهُ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَلَهُ الْقِيَامُ بِهِ وَإِنْ عَلِمَهُ مِنْ نَفْسِهِ كَوَارِثِهِ وَإِنْ قُذِفَ بَعْدَ الْمَوْتِ مِنْ وَلَدٍ وَلَدَهُ، وَأَبٍ وَأَبِيهِ وَلِكُلٍّ الْقِيَامُ بِهِ، وَإِنْ حَصَلَ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ قَوْلُهُ: مِنْ وَلَدِ. . . إلَخْ بَيَانٌ لِلْوَارِثِ.

الْفَرْعُ الرَّابِعُ: إذَا شَهِدَ رَجُلٌ عَلَى آخَرَ بِالْقَذْفِ يَوْمَ الْخَمِيسِ مَثَلًا، وَآخَرُ أَنَّهُ قَذَفَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حَدُّهُ كَالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ، لِأَنَّ شَهَادَةَ الشَّاهِدِ يَوْمَ الْخَمِيسِ تُلَفَّقُ لِشَهَادَةِ مَنْ شَهِدَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ.

(وَمَنْ قَذَفَ) مِنْ كُلِّ مُكَلَّفٍ وَلَوْ عَبْدًا أَوْ كَافِرًا (جَمَاعَةً) بِأَنْ قَالَ: أَنْتُمْ زُنَاةٌ مَثَلًا.

أَوْ قَذَفَ كُلَّ وَاحِدٍ بِانْفِرَادِهِ بِمَجْلِسٍ أَوْ مَجَالِسَ (فَحَدُّ وَاحِدٍ يَلْزَمُهُ لِمَنْ قَامَ بِهِ مِنْهُمْ) قَالَ خَلِيلٌ مُبَالِغًا عَلَى وُجُوبِ الْحَدِّ: وَإِنْ كَرَّرَ لِوَاحِدٍ أَوْ جَمَاعَةٍ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ: «أَنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ الْعَجْلَانِيَّ رَمَى امْرَأَتَهُ بِشَرِيكٍ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: حَدٌّ فِي ظَهْرِك أَوْ تَلْتَعِنُ» فَلَمْ يَقُلْ حَدَّانِ، وَجَلَدَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الشُّهُودَ عَنْ الْمُغِيرَةِ بِالزِّنَا حَدًّا وَاحِدًا لِكُلِّ وَاحِدٍ مَعَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ قَذَفَ الْمُغِيرَةَ وَالْمَزْنِيَّ بِهَا. «وَجَلَدَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَذَفَةَ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - ثَمَانِينَ ثَمَانِينَ مِنْهُمْ حَسَّانُ مَعَ أَنَّهُمْ قَذَفُوا

<<  <  ج: ص:  >  >>