للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيُكْرَهُ الْمَشْيُ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ،

وَتُكْرَهُ التَّمَاثِيلُ فِي الْأَسِرَّةِ وَالْقِبَابِ وَالْجُدَرَانِ وَالْخَاتَمِ وَلَيْسَ الرَّقْمُ فِي الثَّوْبِ مِنْ ذَلِكَ وَتَرْكُهُ أَحْسَنُ.

ــ

[الفواكه الدواني]

عَائِشَةَ: «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ فِي تَنَعُّلِهِ وَتَرَجُّلِهِ وَطَهُورِهِ وَشَأْنِهِ كُلِّهِ» وَالْقَاعِدَةُ كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ أَخْذًا مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ: أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ مِنْ بَابِ التَّكْرِيمِ وَالتَّشْرِيفِ كَاللُّبْسِ وَدُخُولِ الْمَسَاجِدِ وَتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ وَقَصِّ الشَّارِبِ وَتَرْجِيلِ الشَّعْرِ وَنَتْفِ الْإِبْطِ وَحَلْقِ الرَّأْسِ وَالسَّلَامِ مِنْ الصَّلَاةِ وَغَسْلِ أَعْضَاءِ الطَّهَارَةِ يُنْدَبُ فِيهِ التَّيَامُنُ، وَمَا كَانَ بِضِدِّ ذَلِكَ فَالتَّيَاسُرُ، وَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الرَّأْسِ فَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ أَنَّ الْحَلْقَ لِلرَّأْسِ صَارَ مِنْ الْبِدْعَةِ الْحَسَنَةِ.

(وَلَا بَأْسَ بِالِانْتِعَالِ) أَيْ لُبْسِ النَّعْلِ حَالَ كَوْنِهِ، (قَائِمًا) كَمَا يَجُوزُ لُبْسُهُ حَالَةَ كَوْنِهِ جَالِسًا فَلَا بَأْسَ لِلْجَوَازِ الْمُسْتَوِي، وَمَا وَرَدَ مِنْ النَّهْيِ عَنْ الِانْتِعَالِ حَالَ الْقِيَامِ فَغَيْرُ صَحِيحٌ، وَعَلَى الصِّحَّةِ يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا كَانَ لَا يُمْكِنُ مِنْ قِيَامٍ، نَعَمْ قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ بِوُرُودِ النَّهْيِ عَنْ التَّعَمُّمِ حَالَ الْقُعُودِ، وَعَنْ التَّسَرْوُلِ حَالَ الْقِيَامِ.

(وَيُكْرَهُ) تَنْزِيهًا (الْمَشْيُ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ) إلَّا أَنْ يَكُونَ أَقْطَعَ الرِّجْلِ فَلَا بَأْسَ بِمَشْيِهِ بِنَعْلٍ وَاحِدَةٍ، وَإِنَّمَا كُرِهَ الْمَشْيُ فِي النَّعْلِ الْوَاحِدَةِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ، لِأَنَّ الشَّيْطَانَ يَمْشِي فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ، وَظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ وَالْحَدِيثِ كَرَاهَةُ الْمَشْيِ فِي النَّعْلِ الْوَاحِدَةِ وَلَوْ لَبِسَهُمَا مَعًا، وَلَكِنْ انْقَطَعَتْ إحْدَاهُمَا وَاسْتَمَرَّ لَابِسًا لِلْأُخْرَى وَهُوَ يَمْشِي، وَأَمَّا وُقُوفُ الشَّخْصِ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةِ لِإِصْلَاحِ الْأُخْرَى فَلَيْسَ مِنْ قَبِيلِ الْمَكْرُوهِ.

(وَيُكْرَهُ) تَنْزِيهًا فِعْلُ (التَّمَاثِيلِ) جَمْعُ تِمْثَالٍ بِكَسْرِ التَّاءِ وَهِيَ صُورَةُ الْحَيَوَانَاتِ (فِي الْأَسِرَّةِ) بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ جَمْعُ سَرِيرٍ وَهُوَ الَّذِي يُصْنَعُ لِلرُّقَادِ عَلَيْهِ.

(وَ) كَذَا يُكْرَهُ فِعْلُ التَّمَاثِيلِ فِي (الْقِبَابِ) جَمْعُ قُبَّةٍ وَهِيَ مَا يُجْعَلُ مِنْ الثِّيَابِ عَلَى الْهَوْدَجِ أَوْ عَلَى السَّرِيرِ أَوْ عَلَى الْخَيْمَةِ.

(وَ) كَذَلِكَ يُكْرَهُ التِّمْثَالُ أَيْضًا فِي (الْجُدَرَانِ) بِضَمِّ الْجِيمِ جَمْعُ جَدْرٍ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الدَّالِ الْحَائِطُ.

(وَ) كَذَا فِي (الْخَاتَمِ) بِفَتْحِ التَّاءِ وَكَسْرِهَا وَفِيهِ لُغَاتٌ أُخَرُ مَشْهُورَةٌ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: تُكْرَهُ التَّمَاثِيلُ الَّتِي فِي الْأَسِرَّةِ وَالْقِبَابِ وَالْمَنَابِرِ وَلَيْسَ كَالثِّيَابِ وَالْبُسُطِ الَّتِي تُمْتَهَنُ انْتَهَى، وَأَشْعَرَ قَوْلُهُ فِي الْأَسِرَّةِ وَالْقِبَابِ إلَخْ أَنَّ التِّمْثَالَ مَنْقُوشٌ فِي تِلْكَ الْمَذْكُورَاتِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَأَمَّا لَوْ جُعِلَ التِّمْثَالُ صُورَةً مُسْتَقِلَّةً لَهَا ظِلٌّ كَمَا لَوْ صُنِعَ صُورَةَ سَبُعٍ أَوْ كَلْبٍ أَوْ آدَمِيٍّ وَوَضَعَهَا عَلَى الْحَائِطِ أَوْ عَلَى الْأَرْضِ فَإِنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ، حَيْثُ كَانَتْ الصُّورَةُ كَامِلَةً سَوَاءٌ صُنِعَتْ مِمَّا تَطُولُ إقَامَتُهُ كَحَجَرٍ أَوْ خَشَبٍ أَوْ مِمَّا لَا تَطُولُ إقَامَتُهُ، كَمَا صُنِعَ صُورَةُ السَّبُعِ أَوْ الْفَرَسِ مِنْ عَجِينٍ أَوْ حَلَاوَةٍ مِمَّا لَا تَطُولُ إقَامَتُهُ، وَلَوْ كَانَتْ الصُّورَةُ نَاقِصَةً كَصُورَةِ حِمَارٍ أَوْ سَبُعٍ غَيْرِ كَامِلَةٍ فَلَا حُرْمَةَ فِيهَا بَلْ قِيلَ بِكَرَاهَتِهَا وَقِيلَ خِلَافُ الْأَوْلَى.

وَالْحَاصِلُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ وَغَيْرِهِ أَنَّ التَّمَاثِيلَ عَلَى الثَّلَاثَةِ أَقْسَامِ: الْمُحَرَّمُ مِنْهَا مَا كَانَ عَلَى صُورَةِ حَيَوَانٍ كَامِلَةٍ وَلَهَا ظِلٌّ قَائِمٌ وَحُمِلَ عَلَيْهَا مَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ: «مِنْ أَنَّ فَاعِلَ تِلْكَ الصُّورَةِ يُعَذَّبُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيُقَالُ لَهُ: أَحْيِ مَا خَلَقْت» وَالْمُبَاحُ مَا كَانَ عَلَى صُورَةِ غَيْرِ حَيَوَانٍ كَصُورَةِ الْأَشْجَارِ وَالْفَوَاكِهِ وَالسَّحَابِ مِمَّا هُوَ مَصْنُوعٌ لِلَّهِ وَلَيْسَ حَيَوَانًا، وَالْمَكْرُوهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ صُوَرِ الْحَيَوَانَاتِ الْمَرْسُومَةِ فِي الْأَسِرَّةِ وَالْحِيطَانِ مِنْ كُلِّ مَا كَانَ غَيْرَ مُمْتَهَنٍ، وَأَمَّا التَّمَاثِيلُ الْمَرْسُومَةُ فِي الْأَشْيَاءِ الْمُمْتَهَنَةِ فَلَا كَرَاهَةَ فِيهَا وَلَكِنَّ تَرْكَهَا أَوْلَى وَهِيَ الْآتِيَةُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ.

(تَنْبِيهٌ) يُسْتَثْنَى مِمَّا لَهُ ظِلٌّ قَائِمٌ الْمُجْمَعُ عَلَى حُرْمَتِهِ صُوَرُ لَعِبِ الْبَنَاتِ فَإِنَّهُ لَا تَحْرُمُ، وَيَجُوزُ اسْتِصْنَاعُهَا وَصُنْعُهَا وَبَيْعُهَا وَشِرَاؤُهَا لَهُنَّ لِأَنَّ بِهِنَّ يَتَدَرَّبْنَ عَلَى حَمْلِ الْأَطْفَالِ، فَقَدْ كَانَ لِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - جِوَارٍ يُلَاعِبْنَهَا بِصُوَرِ الْبَنَاتِ الْمَصْنُوعَةِ مِنْ نَحْوِ خَشَبٍ، فَإِذَا رَأَيْنَ الرَّسُولَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَسْتَحِينَ مِنْهُ وَيَتَقَنَّعْنَ وَكَانَ الرَّسُولُ يَشْتَرِيهَا لَهَا، وَأَمَّا فِعْلُهَا لِلْكِبَارِ فَحَرَامٌ، وَلَمَّا كَانَتْ تَمَاثِيلُ الْحَيَوَانَاتِ إنَّمَا تُكْرَهُ فِيمَا لَا يُمْتَهَنُ كَالْمَصْنُوعَةِ فِي الْحَائِطِ، ذَكَرَ أَنَّ مَا صُنِعَ فِي الْمُمْتَهَنِ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ بِقَوْلِهِ: (وَلَيْسَ الرَّقْمُ) لِصُورَةِ الْحَيَوَانِ (فِي الثَّوْبِ) وَالْبِسَاطِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ كُلِّ مُمْتَهَنٍ (مِنْ ذَلِكَ) الْمَنْهِيِّ عَنْهُ لِقَوْلِ الْجَلَّابِ: وَلَا بَأْسَ بِاِتِّخَاذِ التَّمَاثِيلِ فِي الثِّيَابِ وَالْبُسْطِ.

(وَ) لَكِنْ (تَرْكُهُ) فِي الثَّوْبِ أَوْ غَيْرِهِ (أَحْسَنُ) مِنْ فِعْلِهِ لِأَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ قَالَ بِتَحْرِيمِهِ، وَلَوْ فِي الثَّوْبِ فَفِي تَرْكِهِ سَلَامَةٌ بِالْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ. ثُمَّ شَرَعَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فَقَالَ:

<<  <  ج: ص:  >  >>