﴿فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ﴾ وَلَنَا أَنَّهُ أَدَّاهُ بَعْدَ انْعِقَاد سَبَبِهِ، وَالْمُرَادُ بِالْحَجِّ الْمَذْكُورِ فِي النَّصِّ وَقْتُهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا. (وَالْأَفْضَلُ تَأْخِيرُهَا إلَى آخِرِ وَقْتِهَا وَهُوَ يَوْمُ عَرَفَةَ) لِمَا بَيَّنَّا فِي الْقِرَانِ.
(وَإِنْ أَرَادَ الْمُتَمَتِّعُ أَنْ يَسُوقَ الْهَدْيَ أَحْرَمَ وَسَاقَ هَدْيَهُ) وَهَذَا أَفْضَلُ «؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ سَاقَ الْهَدَايَا مَعَ نَفْسِهِ»؛ وَلِأَنَّ فِيهِ اسْتِعْدَادًا وَمُسَارَعَةً (فَإِنْ كَانَتْ بَدَنَةً قَلَّدَهَا بِمَزَادَةٍ أَوْ نَعْلٍ) لِحَدِيثِ عَائِشَةَ ﵂ عَلَى مَا رَوَيْنَاهُ. وَالتَّقْلِيدُ أَوْلَى مِنْ التَّجْلِيلِ؛ لِأَنَّ لَهُ ذِكْرًا فِي الْكِتَابِ وَلِأَنَّهُ لِلْإِعْلَامِ وَالتَّجْلِيلِ لِلزِّينَةِ، وَيُلَبِّي ثُمَّ يُقَلِّدُ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُحْرِمًا بِتَقْلِيدِ الْهَدْيِ وَالتَّوَجُّهِ مَعَهُ عَلَى مَا سَبَقَ. وَالْأَوْلَى أَنْ يَعْقِدَ الْإِحْرَامَ بِالتَّلْبِيَةِ وَيَسُوقَ الْهَدْيَ. وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ أَنْ يَقُودَهَا «؛ لِأَنَّهُ ﷺ
قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ أَدَّاهُ بَعْدَ انْعِقَادِ سَبَبِهِ) لَا شَكَّ أَنَّ سَبَبَهُ التَّمَتُّعُ اللُّغَوِيُّ الَّذِي هُوَ التَّرَفُّقُ؛ لِتَرْتِيبِهِ عَلَى التَّمَتُّعِ فِي النَّصِّ، وَمَأْخَذُ الِاشْتِقَاقِ عِلَّةٌ لِلْمُرَتَّبِ، وَالْعُمْرَةُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ هِيَ السَّبَبُ فِيهِ؛ لِأَنَّهَا الَّتِي بِهَا يَتَحَقَّقُ التَّرَفُّقُ الَّذِي كَانَ مَمْنُوعًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَهُوَ مَعْنَى التَّمَتُّعِ لَا أَنَّ الْحَجَّ مُعْتَبَرُ جُزْءِ السَّبَبِ بِنَاءً عَلَى إرَادَةِ التَّمَتُّعِ فِي عُرْفِ الْفِقْهِ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا جَعْلُ الْحَجِّ غَايَةً لِهَذَا التَّمَتُّعِ حَيْثُ قَالَ ﴿فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ﴾ فَكَانَ الْمُفَادُ تَرَفَّقْ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ تَرَفُّقًا غَايَتُهُ الْحَجُّ، وَإِلَّا كَانَ ذِكْرُ التَّمَتُّعِ ذِكْرًا لِلْحَجِّ مِنْ عَامِهِ فَلَمْ يَحْتَجْ إلَى ذِكْرِهِ. وَالثَّانِي أَنَّهُ عَلَى ذَلِكَ التَّقْرِيرِ كَانَ يَلْزَمُ أَنْ لَا يَجُوزَ صَوْمُ الثَّلَاثَةِ إلَّا بَعْدَ الْفَرَاغِ كَالسَّبْعَةِ لَكِنَّهُ سُبْحَانَهُ فَصَلَ بَيْنَهُمَا فَجَعَلَ الثَّلَاثَةَ فِي الْحَجِّ: أَيْ وَقْتِهِ، وَالسَّبْعَةَ بَعْدَ الْفَرَاغِ، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَعْتَبِرْ فِي السَّبَبِ الْمُجَوِّزِ لِلصَّوْمِ تَحَقُّقَ حَقِيقَةِ التَّمَتُّعِ بِالْمَعْنَى الْفِقْهِيِّ بَلْ التَّرَفُّقُ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ لَكِنْ لَا مُطْلَقًا، بَلْ الْمُقَيَّدُ بِكَوْنِ غَايَتِهِ الْحَجَّ مِنْ عَامِهِ لَا عَلَى اعْتِبَارِ الْقَيْدِ جُزْءًا مِنْ السَّبَبِ أَوْ شَرْطًا فِي ثُبُوتِ سَبَبِيَّتِهِ وَإِلَّا لَزِمَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ امْتِنَاعِ الصَّوْمِ قَبْلَ الْفَرَاغِ وَهُوَ مُنْتَفٍ، فَكَانَ السَّبَبُ الْمُقَيَّدُ لَا يُشْتَرَطُ قَيْدُهُ فِي السَّبَبِيَّةِ فَإِذَا صَامَ بَعْدَ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ ظَهَرَ أَنَّهُ صَامَ بَعْدَ السَّبَبِ وَفِي وَقْتِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ وُقُوعُهُ بَعْدَ الْمُقَيَّدِ، وَمِثْلُ هَذَا جَائِزٌ إذَا أَمْكَنَ وَقَدْ أَمْكَنَ، وَسَبَبُهُ تَرَاخِي الْقَيْدِ عَنْهُ فِي الْوُجُودِ، أَمَّا السَّبْعَةُ فَإِنَّ السَّبَبَ وَإِنْ تَحَقَّقَ بَعْدَ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ لَكِنْ لَمْ يَجِئْ وَقْتُهَا؛ لِأَنَّ الْإِيجَابَ مُعَلَّقٌ بِالرُّجُوعِ، فَالصَّوْمُ قَبْلَهُ قَبْلَ وَقْتِهِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ السَّبَبِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ مُقْتَضَى هَذَا عَدَمُ الْجَوَازِ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّ التَّمَتُّعَ: أَعْنِي التَّرَفُّقَ بِالْعُمْرَةِ لَا يَتَحَقَّقُ بِمُجَرَّدِ الْإِحْرَامِ بِهَا، لَكِنَّ الْحُكْمَ هُوَ الْجَوَازُ بِمُجَرَّدِ الْإِحْرَامِ كَأَنَّهُ لِثُبُوتِ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْخُرُوجِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute