للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عِنْدَنَا خِلَافًا لِمَالِكٍ إذَا خَرَجَا مِنْ بَيْتِهِمَا. وَلِزَفَرٍ إذَا أَحْرَمَا. وَلَلشَّافِعِيِّ إذَا انْتَهَيَا إلَى الْمَكَانِ الَّذِي جَامَعَهَا فِيهِ. لَهُمْ أَنَّهُمَا يَتَذَاكَرَانِ ذَلِكَ فَيَقَعَانِ فِي الْمُوَاقَعَةِ فَيَفْتَرِقَانِ. وَلَنَا أَنَّ الْجَامِعَ بَيْنَهُمَا وَهُوَ النِّكَاحُ قَائِمٌ فَلَا مَعْنَى لِلِافْتِرَاقِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ لِإِبَاحَةِ الْوَقَاعِ وَلَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُمَا يَتَذَاكَرَانِ مَا لَحِقَهُمَا مِنْ الْمَشَقَّةِ الشَّدِيدَةِ بِسَبَبِ لَذَّةِ يَسِيرَةِ فَيَزْدَادَانِ نَدَمًا وَتَحَرُّزًا فَلَا مَعْنَى لِلِافْتِرَاقِ.

(وَمَنْ جَامَعَ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ لَمْ يَفْسُدْ حَجُّهُ وَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ) خِلَافًا لَلشَّافِعِيِّ فِيمَا إذَا جَامَعَ قَبْلَ الرَّمْيِ؛ لِقَوْلِهِ «مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ»

مَا خَرَّجْنَا إطْلَاقَ لَفْظِ الْهَدْيِ وَهُوَ يَصْدُقُ بِالتَّنَاوُلِ عَلَى الشَّاةِ كَانَ فِي الْبَدَنَةِ أَكْمَلَ، وَالْوَاجِبُ انْصِرَافُ الْمُطْلَقِ إلَى الْكَامِلِ فِي الْمَاهِيَّةِ لَا إلَى الْأَكْمَلِ، وَمَاهِيَّةُ الْهَدْيِ كَامِلَةٌ فِيهَا. بِخِلَافِ السَّمَكِ بِالنِّسْبَةِ إلَى لَفْظِ اللَّحْمِ فَإِنَّ مَاهِيَّةَ اللَّحْمِ نَاقِصَةٌ فِيهِ عَلَى مَا سَتَعْرِفُ إنْ شَاءَ اللَّهِ تَعَالَى. ثُمَّ بَيْنَ الْمَقَامَيْنِ فَرْقٌ، وَهُوَ وُجُوبُ الْقَضَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ إلَّا لِيَقُومَ مَقَامَ الْأَوَّلِ، وَهُوَ مَعْنَى اسْتِدْرَاكِ الْمَصْلَحَةِ، فَبَعْدَ قِيَامِهِ مَقَامَهُ لَمْ يَبْقَ إلَّا جَزَاءُ تَعْجِيلِ الْإِحْلَالِ، وَيَكْفِي فِيهِ الشَّاةُ كَالْمُحْصَرِ، بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْإِحْلَالَ لَمْ يَتِمَّ بِالْجِمَاعِ وَلِهَذَا يَمْضِي فِيهِ، وَلَا يَحِلُّ إلَّا مَعَ النَّاسِ غَيْرَ أَنَّهُ أُخِّرَ الْمُعْتَدُّ بِهِ إلَى قَابِلٍ ثُمَّ لَا تَجِبُ عُمْرَةٌ؛ لِعَدَمِ فَوَاتِ حَجِّهِ بِخِلَافِ الْمُحْصَرِ.

(قَوْلُهُ: فَلَا مَعْنَى لِلِافْتِرَاقِ) وَهَذَا؛ لِأَنَّ الِافْتِرَاقَ لَيْسَ بِنُسُكٍ فِي الْأَدَاءِ فَكَذَا فِي الْقَضَاءِ، فَلَمْ يَكُنْ أَمْرُ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ مِنْ الصَّحَابَةِ الْأَمْرُ بِالِافْتِرَاقِ أَمْرَ إيجَابٍ بَلْ أَمْرُ نَدْبٍ مَخَافَةَ الْوُقُوعِ؛ لِظُهُورِ أَنَّهُ لَا يَصْبِرُ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ لِمَا ظَهَرَ مِنْهُمَا فِي الْإِحْرَامِ الْأَوَّلِ فَكَانَ كَالشَّابِّ فِي حَقِّ الْقُبْلَةِ فِي الصَّوْمِ لَا؛ لِأَنَّهُمَا يَتَذَاكَرَانِ فَيَقَعَانِ؛ لِأَنَّهُ مُعَارَضٌ بِأَنَّهُمَا يَتَذَاكَرَانِ فَلَا يَقَعَانِ؛ لِتَذَكُّرِهِمَا مَا حَصَلَ لَهُمَا مِنْ الْمَشَقَّةِ لِلَّذَّةٍ يَسِيرَةٍ، وَنَحْنُ نَقُولُ بِاسْتِحْبَابِ الِافْتِرَاقِ لِذَلِكَ.

(قَوْلُهُ: وَمَنْ جَامَعَ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ) يَعْنِي قَبْلَ الْحَلْقِ؛ لِأَنَّهُ سَيَذْكُرُ أَنَّ الْجِمَاعَ بَعْدَ الْحَلْقِ فِيهِ شَاةٌ. هَذَا وَالْعَبْدُ إذَا جَامَعَ مَضَى فِيهِ وَعَلَيْهِ هَدْيٌ وَحَجَّةٌ إذَا أَعْتَقَ سِوَى حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، وَكُلُّ مَا يَجِبُ فِيهِ الْمَالُ يُؤَاخَذُ بِهِ بَعْدَ عِتْقِهِ، بِخِلَافِ مَا فِيهِ الصَّوْمُ فَإِنَّهُ يُؤَاخَذُ بِهِ لِلْحَالِّ، وَلَا يَجُوزُ إطْعَامُ الْمَوْلَى عَنْهُ إلَّا فِي الْإِحْصَارِ، فَإِنَّ الْمَوْلَى يَبْعَثُ عَنْهُ؛ لِيَحِلَّ هُوَ فَإِذَا أَعْتَقَ فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ. (قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ «مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ») تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ. وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ عَلَّقَ

<<  <  ج: ص:  >  >>