الْحَظْرُ يَنْعَدِمُ بِهَذِهِ الْعَوَارِضِ فَلَمْ يَقَعْ الْفِعْلُ جِنَايَةً. وَلَنَا أَنَّ الْفَسَادَ بِاعْتِبَارِ مَعْنَى الِارْتِفَاقِ فِي الْإِحْرَامِ ارْتِفَاقًا مَخْصُوصًا، وَهَذَا لَا يَنْعَدِمُ بِهَذِهِ الْعَوَارِضِ، وَالْحَجُّ لَيْسَ فِي مَعْنَى الصَّوْمِ؛ لِأَنَّ حَالَاتِ الْإِحْرَامِ مُذَكِّرَةٌ بِمَنْزِلَةِ حَالَاتِ الصَّلَاةِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَصْلٌ) (وَمَنْ طَافَ طَوَافَ الْقُدُومِ مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ ﵀:
ثُمَّ ذَكَرَ فِيهَا أَيْضًا فَقَالَ: وَإِذَا طَافَ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ مِنْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ، وَقَدْ قَصَّرَ ثُمَّ جَامَعَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَصَّرَ فَعَلَيْهِ دَمٌ. فَمِنْ هُنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَخَذَ التَّفْصِيلَ مَنْ أَخَذَهُ إنْ كَانَ إذْ خَفَّ الْمُوجِبُ بَعْدَ وُجُودِ أَحَدِهِمَا بَعْدَ الْوُقُوفِ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَسْتَشْكِلَهُ بِأَنَّ الطَّوَافَ قَبْلَ الْحَلْقِ لَمْ يَحِلَّ بِهِ مِنْ شَيْءٍ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ الْجَزُورُ، وَإِنْ كَانَ سُؤَالُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَفَتْوَاهُ بِهِ إنَّمَا كَانَ فِيمَنْ لَمْ يَطُفْ لِلْعِلْمِ بِأَنَّ فَتْوَاهُ بِذَلِكَ؛ لِوُقُوعِ الْجِنَايَةِ عَلَى إحْرَامٍ أُمِنَ فَسَادُهُ. وَلَوْ كَانَ قَارِنًا: أَعْنِي الَّذِي طَافَ لِلزِّيَارَةِ قَبْلَ الْحَلْقِ ثُمَّ جَامَعَ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: عَلَيْهِ شَاتَانِ لِبَقَاءِ الْإِحْرَامِ لَهُمَا جَمِيعًا. وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي الرُّقَيَّاتِ فِيمَنْ طَافَ لِلزِّيَارَةِ جُنُبًا ثُمَّ جَامَعَ قَبْلَ الْإِعَادَةِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: أَمَّا فِي الْقِيَاسِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَلَكِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ اسْتَحْسَنَ فِيمَا إذَا طَافَ جُنُبًا ثُمَّ جَامَعَ ثُمَّ أَعَادَ طَاهِرًا أَنْ يُوجِبَ عَلَيْهِ دَمًا، وَكَذَلِكَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ ﵀. وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّ الْجِمَاعَ وَقَعَ بَعْدَ التَّحَلُّلِ لِمَا عُرِفَ مِنْ أَنَّ الطَّهَارَةَ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الطَّوَافِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ بِالْإِعَادَةِ طَاهِرًا يَنْفَسِخُ الطَّوَافُ الْأَوَّلُ عِنْدَ بَعْضِ مَشَايِخِ الْعِرَاقِ، وَيَصِيرُ طَوَافُهُ الْمُعْتَبَرُ هُوَ الثَّانِيَ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ تُوجِبُ نُقْصَانًا فَاحِشًا فَيَتَبَيَّنُ أَنَّ الْجِمَاعَ كَانَ قَبْلَ الطَّوَافِ فَيُوجِبُ الْكَفَّارَةَ، بِخِلَافِ مَا إذَا طَافَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ: يَعْنِي ثُمَّ جَامَعَ ثُمَّ أَعَادَهُ مُتَوَضِّئًا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ النُّقْصَانَ يَسِيرٌ فَلَمْ يَنْفَسِخُ الْأَوَّلُ فَيَقَعُ جِمَاعُهُ بَعْدَ التَّحَلُّلِ، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَفِيهِ تَأَمُّلٌ، فَإِنَّ الِانْفِسَاخَ إنْ قَالَ بِهِ بَعْضُ الْمَشَايِخِ فَقَدْ قَالَ آخَرُونَ بِعَدَمِهِ وَصَحَّحَ فَلَمْ يَلْزَمْ، وَعَلَى تَقْدِيرِهِ فَوُقُوعُهُ شَرْعًا قَبْلَ التَّحَلُّلِ إنَّمَا مُوجِبُهُ الْبَدَنَةُ لَا مُطْلَقُ الدَّمِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ قَبْلَهُ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ، وَسَنُوَجِّهُ عَدَمَ الِانْفِسَاخِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
(فَصْلٌ) (قَوْلُهُ وَمَنْ طَافَ طَوَافَ الْقُدُومِ مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ) مُوَافِقٌ لِمَا فِي عَامَّةِ النُّسَخِ وَصُرِّحَ بِهِ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَمُخَالِفٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute