لَا يُعْتَدُّ بِهِ لِقَوْلِهِ ﷺ «الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ» إلَّا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَ فِيهِ الْمَنْطِقَ فَتَكُونُ الطَّهَارَةُ مِنْ شَرْطِهِ. وَلَنَا قَوْله تَعَالَى ﴿وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ مِنْ غَيْرِ قَيْدِ الطَّهَارَةِ فَلَمْ تَكُنْ فَرْضًا، ثُمَّ قِيلَ: هِيَ سُنَّةٌ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ لِأَنَّهُ يَجِبُ بِتَرْكِهَا الْجَابِرُ؛ وَلِأَنَّ الْخَبَرَ يُوجِبُ الْعَمَلَ فَيَثْبُتُ بِهِ الْوُجُوبُ، فَإِذَا شُرِعَ فِي هَذَا الطَّوَافِ وَهُوَ سُنَّةٌ، يَصِيرُ وَاجِبًا بِالشُّرُوعِ وَيَدْخُلُهُ نَقْصٌ بِتَرْكِ الطَّهَارَةِ فَيُجْبَرُ بِالصَّدَقَةِ إظْهَارًا لِدُنُوِّ رُتْبَتِهِ عَنْ الْوَاجِبِ بِإِيجَابِ اللَّهِ، وَهُوَ طَوَافُ الزِّيَارَةِ، وَكَذَا الْحُكْمُ فِي كُلِّ طَوَافٍ هُوَ تَطَوُّعٌ.
لِمَا فِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ قَالَ: لَيْسَ لِطَوَافِ التَّحِيَّةِ مُحْدِثًا وَلَا جُنُبًا شَيْءٌ، لِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَكَذَا تَرْكُهُ مِنْ وَجْهٍ. وَالْوَجْهَانِ اللَّذَانِ أَبْطَلَ بِهِمَا الْمُصَنِّفُ كَوْنَ الطَّهَارَةِ سُنَّةً: أَعْنِي قَوْلَهُ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ بِتَرْكِهَا الْجَابِرُ، وَلِأَنَّ الْخَبَرَ يُوجِبُ الْعَمَلَ كَافِلَانِ بِإِبْطَالِهِ، وَلِمَا اسْتَشْعَرَ أَنْ يُقَالَ عَلَى الْأَوَّلِ لُزُومُ الْجَابِرِ مُطْلَقًا مَمْنُوعٌ، وَهُوَ أَوَّلُ الْمَسْأَلَةِ فَإِنَّا نَنْفِيهِ فِي غَيْرِ الطَّوَافِ الْوَاجِبِ، دَفَعَهُ بِتَقْرِيرِ أَنَّ كُلَّ تَرْكٍ لَا يَخْلُو مِنْ كَوْنِهِ فِي وَاجِبٍ، فَإِنَّ التَّطَوُّعَ إذَا شُرِعَ فِيهِ صَارَ وَاجِبًا بِالشُّرُوعِ ثُمَّ يَدْخُلُهُ النَّقْصُ بِتَرْكِ الطَّهَارَةِ فِيهِ. غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ وُجُوبَهُ لَيْسَ بِإِيجَابِهِ تَعَالَى ابْتِدَاءً فَأَظْهَرْنَا التَّفَاوُتَ فِي الْحَطِّ مِنْ الدَّمِ إلَى الصَّدَقَةِ فِيمَا إذَا طَافَ مُحْدِثًا، وَمِنْ الْبَدَنَةِ إلَى الشَّاةِ إذَا طَافَ جُنُبًا.
(قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ ﵊ «الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ») رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ «الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ إلَّا أَنَّكُمْ تَتَكَلَّمُونَ فِيهِ، فَمَنْ تَكَلَّمَ لَا يَتَكَلَّمُ إلَّا بِخَيْرٍ». وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّهُ تَشْبِيهٌ فِي الْحُكْمِ بِدَلِيلِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ الْحُكْمِ فِي قَوْلِهِ «إلَّا أَنَّكُمْ تَتَكَلَّمُونَ فِيهِ فَمَنْ تَكَلَّمَ»، فَكَأَنَّهُ قَالَ هُوَ مِثْلُ الصَّلَاةِ فِي حُكْمِهَا إلَّا فِي جَوَازِ الْكَلَامِ فَيَصِيرُ مَا سِوَى الْكَلَامِ دَاخِلًا فِي الصَّدْرِ وَمِنْهُ اشْتِرَاطُ الطَّهَارَةِ. وَاسْتَدَلَّ ابْنُ الْجَوْزِيِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute