قَالَ (وَلَا يَقْضِي الْقَاضِي عَلَى غَائِبٍ إلَّا أَنْ يَحْضُرَ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ ﵀: يَجُوزُ لِوُجُودِ الْحُجَّةِ وَهِيَ الْبَيِّنَةُ فَظَهَرَ الْحَقُّ. وَلَنَا أَنَّ الْعَمَلَ بِالشَّهَادَةِ لِقَطْعِ الْمُنَازَعَةِ، وَلَا مُنَازَعَةَ دُونَ الْإِنْكَارِ وَلَمْ يُوجَدْ،
وَإِنْ لَمْ يَسْتَفْتِ أَخَذَ بِمَا قُضِيَ بِهِ انْتَهَى. وَالْوَجْهُ عِنْدِي قَوْلُ مُحَمَّدٍ لِأَنَّ اتِّصَالَ الْقَضَاءِ بِالِاجْتِهَادِ الْكَائِنِ لِلْقَاضِي يُرَجِّحُهُ عَلَى اجْتِهَادِ الزَّوْجِ وَالْأَخْذُ بِالرَّاجِحِ مُتَعَيِّنٌ، وَكَوْنُهُ لَا يَرَاهُ حَلَالًا إنَّمَا يَمْنَعُهُ مِنْ الْقُرْبَانِ قَبْلَ الْقَضَاءِ، أَمَّا بَعْدَهُ وَبَعْدَ نَفَاذِهِ بَاطِنًا كَمَا فُرِضَتْ الْمَسْأَلَةُ فَلَا.
(قَوْلُهُ وَلَا يَقْضِي الْقَاضِي عَلَى غَائِبٍ إلَّا أَنْ يَحْضُرَ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ) إذَا كَانَ غَائِبًا عَنْ الْبَلَدِ أَوْ فِيهَا وَهُوَ مُسْتَتِرٌ قَوْلًا وَاحِدًا وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ، وَإِنْ كَانَ فِي الْبَلَدِ غَيْرَ مُخْتَفٍ فَلَهُ قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا لَا يَحْكُمُ عَلَيْهِ بِدُونِ حُضُورِهِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْمُسْتَتِرِ تَضْيِيعُ الْحُقُوقِ لَوْ لَمْ يَحْكُمْ وَفِي غَيْرِهِ لَا. احْتَجُّوا بِقَوْلِهِ ﷺ «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» فَاشْتِرَاطُ حُضُورِ الْخَصْمِ زِيَادَةٌ عَلَيْهِ بِلَا دَلِيلٍ.
وَلَنَا «قَوْلُهُ ﷺ لِعَلِيٍّ حِينَ اسْتَقْضَاهُ عَلَى الْيَمَنِ لَا تَقْضِ لِأَحَدِ الْخَصْمَيْنِ بِشَيْءٍ حَتَّى تَسْمَعَ كَلَامَ الْآخَرِ» وَقَدَّمْنَاهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ وَتَصْحِيحِهِ وَتَحْسِينِهِ، فَعُلِمَ أَنَّ جَهَالَةَ كَلَامِهِ مَانِعَةٌ مِنْ الْقَضَاءِ، وَذَلِكَ ثَابِتٌ مَعَ غَيْبَتِهِ وَغَيْبَةِ مَنْ يَقُومُ مَعَهُ، وَلِأَنَّ حُجِّيَّةَ الْبَيِّنَةِ عَلَى وَجْهٍ يُوجِبُ الْعَمَلَ بِهَا مَوْقُوفٌ عَلَى عَجْزِ الْمُنْكِرِ عَنْ الدَّفْعِ وَالطَّعْنِ فِيهَا، وَالْعَجْزُ عَنْهُ لَا يُعْلَمُ إلَّا مَعَ حُضُورِهِ أَوْ نَائِبِهِ، وَلِأَنَّ شَرْطَ الْعَمَلِ بِهَا الْإِنْكَارُ حَتَّى لَا تُسْمَعَ عَلَى مُقِرٍّ، وَلَا يُقْضَى بِهَا إذَا اعْتَرَضَ الْإِقْرَارُ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَبِغَيْبَتِهِ يَفُوتُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute