الصلاة وشرب الخمر والفجور ونحو ذلك لم يتعرَّض الواعظ في وعظه لشيء من ذلك، [٦٦٥] خشية أن يتوهم ذلك الغني أنه تعريض به فينفر فيحرم هذا الواعظ من المنافع الدنيوية التي كان ينالها منه. بل يقتصر على فضائل الصالحين وما لهم من الجاه العظيم وما في محبَّتهم وخدمتهم من الخير الجسيم، وأنَّ مَن أحبَّهم فاز دنيا وأخرى، ونحو ذلك. بل قد وَسَّعُوا الدائرة للكفار والمشركين فأعلموهم أنهم إذا أحبُّوا المتصوِّفين واحترموهم وبذلوا لهم الأموال حصلت لهم سعادة الدنيا وإن كانوا مصرِّين على شركهم وكفرهم، بل وقد يوهمونهم أنهم يفوزون بالنجاة في الآخرة أيضًا، بل ربما صَرَّحَ بعضهم بذلك.
وهذا الأمر هو أعظم البواعث لكثير من عقلاء العصر على عدم الإسلام؛ لأنهم يتوهمون أن الإسلام هو ما عليه هؤلاء المتصوِّفون وأضرابهم، فإذا تدبَّروا ما هم عليه وجدوا جهالات وخرافات ومحالات ودجلا ومكرًا لعلَّه يفوق ما عند رهبان النصارى وطواغيت المشركين. بل إنَّ هذا الأمر نفسه قد وَرَّطَ كثيرًا من عقلاء المسلمين في الإلحاد الصريح، وهذا الوباء يتفشَّى بسرعة مخيفة.
وبالجملة، فإنَّك إذا طلبت الإسلام مما يظهر لك منه في هذا العصر وما قرب منه تمثَّلَتْ لك صورة إذا قارنتها بالإسلام المعروف في عهد النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم وأصحابه وما قرُب منهم، لم تكد تجد بينهما مناسبةً مَّا، فمَن أراد الإسلام حقًّا فعليه أن يطلبه من مَعدِنه من كتاب الله وسنَّة رسوله وعمل القرن الأوَّل وما قرب منه، والله الموفق.