واعلم أنَّ البلاء كل البلاء هو إيثار المنتسبين إلى العلم للدنيا ولذَّاتها وجاهها، فالذي يدافع عن المتصوِّفة إنما يحاول أن يشتهر بين العامة وجهلة الأمراء أنه وليٌّ من أولياء الله تعالى، فإن ساعدته الأحوالُ على هذه الدعوى فذاك وإلَّا اكتفى بما اشتهر أنَّ التسليم للأولياء وعدم الاعتراض عليهم ولاية صغرى. وأَقَلُّ أحواله أن يكون مقبولًا عند السواد الأعظم من الأغنياء والأمراء الذين ابتُلُوا بحسن الاعتقاد في أولئك المتصوفة ظنًّا منهم أنَّ محبتهم إياهم تجرِّدهم من قيود الشريعة فلا يبقى عليهم حساب ولا عقاب، [٦٦٤] ولا يضرُّهم ترك الصلاة والصيام ولا ارتكاب الفواحش، بل يتمُّ لهم نعيم الدنيا وشهواتها ونعيم الجنة ودرجاتها. وقد وضع لهم شياطين الإنس حكايات وقصصًا تهيِّجهم على هذا الاعتقاد كالأشعار المكذوبة على الشيخ عبد القادر ونحوها.
وإنَّ المنتسبين إلى التصوُّف في الهند وغيرها ليحضر عندهم الغني أو الأمير المجاهر بالفسق بحيث ليس له من الإسلام إلا اسمه، فيعظِّمونه ويحترمونه ويمدحونه ويثنون عليه، ويؤكِّدون له أنَّه باعتنائه بهم قد أحرز سعادة الدنيا والآخرة، وكلما جاءهم كان كلامهم معه كله في تعظيمه ومدحه وإقناعه بأنَّه من الفائزين دنيا وأخرى، وتحريضه على قضاء حوائجهم وحوائج أتباعهم ومَن يتشفَّع بهم، ولا يكادون يعرِّضون له أدنى تعريض بأنَّ عليه أن يلتزم الفرائض الإسلامية ويجتنب الكبائر، بل إن أحدهم قد يكون يتكلَّم بموعظةٍ فإذ دخل أحد أولئك الأغنياء أو الأمراء اختصر الوعظ وتجنَّب أن يكون فيه كلمةٌ تؤثِّر على ذلك الغني. فإذا كان معروفًا بترك