للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا} [النساء: ٩٧ - ٩٩].

أخرج البخاريُّ عن ابن عبَّاسٍ أن ناسًا من المسلمين كانوا مع المشركين يكثِّرون سواد المشركين على رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم، يأتي السهم فيصيب أحدهم فيقتله، أو يُضرب فيُقتل، فأنزل الله: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ} الآية (١).

وأخرج البخاريُّ عن ابن عبَّاسٍ أيضًا أنه تلا: {إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ}، قال: كنتُ أنا وأمِّي ممن عذر الله (٢).

وهذا الأثر الثاني يدلُّ أن ابن عبَّاسٍ لم يرد بالأثر الأوَّل أن الآية خاصَّةٌ بمن كان يكثِّر السواد في الحرب، بل تعمُّ المتخلِّفين عن الهجرة. وجاء عن بعض السلف أن هؤلاء المتخلِّفين غيرَ المعذورين كفروا بعد إيمانهم، واستبعده بعض المتأخِّرين ظنًّا أنه لم يقع منهم إلَّا التخلُّف عن الهجرة. والذي تدلُّ عليه الآثار أن المتخلِّفين كانوا يُكرَهون على الكفر، [١١] وعلى هذا فمُكْثُ مَن مكث منهم مع استطاعته الهجرة وعلمِه أنه إن لم يهاجر أُكرِه على الكفر= ضربٌ من الاختيار؛ فلذلك ــ والله أعلم ــ لم يُعذَروا.

ثم رأيت في سنن البيهقيِّ ما لفظه: "قال الله جَلَّ ثناؤه في الذي يُفْتَن عن


(١) صحيح البخاريِّ، كتاب التفسير، تفسير هذه الآية [باب: "إن الذين توفَّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم ... "]، ٦/ ٤٨، ح ٤٥٩٦. [المؤلف]
(٢) الصحيح، كتاب التفسير، باب: "وما لكم لا تقاتلون" إلخ، ٦/ ٤٦، ح ٤٥٨٨. [المؤلف]