والحسد وغير ذلك، ولله تبارك وتعالى الأسماء الحسنى وهو الغنيُّ الحميد، فاقتضى جوده سبحانه وتعالى أن يكمِّل غيره إلى الحدِّ الممكن، ولما لم يكن معه غيره خلق الخلق ليكمِّلهم إلى الحدِّ الممكن، وليس من الممكن خلقهم كاملين؛ لأن الذي يمكن خلقهم عليه من الكمال يكون كلُّه بمنزلة كمالِ خلقِهم في صُوَرهم، وليس ذلك بكمالٍ يُحْمَدُ عليه المخلوقُ إذ لا إصبع له فيه، فكان لا بدَّ أن يُخْلَقُوا صالحين لأن يَكْمُلوا.
ثم كمال العبد المملوك إنما هو في طاعة ربِّه. ويتأكَّد هذا في فهمك إذا لاحظت أن الربَّ هو الله عزَّ وجلَّ، وهو لا يأمر إلا بالخير الذي يكون كمالًا يُحْمَدُ عليه فاعلُه، ولا ينهى إلا عن الشرِّ الذي ينافي الكمال والحمد، ويقتضي النقص والذمَّ. ويزداد ذلك وضوحًا إذا لاحظت أنه سبحانه الغنيُّ الحميد، فما كان فيما أمرهم به من خيرٍ فهو لهم، فعبادة ربِّهم هي كمالهم.
ولا يحصل المقصود بأن يخلقهم قابلين للكمال ثم يجبرهم عليه؛ لأنه إذا جبرهم على الخير كان كما لو خلقهم عليه، وقد سبق أن ذلك ليس بكمالٍ يُحْمَدُون عليه, [ز ٢] ولا بأن يخلقهم ويجعل لهم اختيارًا ثم لا يُمَكِّنَهُمْ من العمل؛ لأنهم إذا لم يعملوا لم يَكْمُلُوا.
فإن قيل: ألا يُكْتَفَى بعزمهم؟ قلتُ: إنهم لو سئلوا لأجابوا كُلُّهُم بالعَزم على الطاعة. فإن قيل: فبعلم الله تعالى فيهم؟ قلتُ: عِلْمُ الله عزَّ وجلَّ بأنه لو مكَّن هذا لكَمُلَ ولو مكَّن هذا لرَذُلَ لا يكفي في حقيقة الكمال؛ فلا يكون الأوَّل كاملًا بمجرَّد العلم، ولو أخبر المعصوم أن هذا الذي مات كافرًا لو عاش لآمن، وهذا الذي مات مؤمنًا لو عاش لكفر= لما اقتضى أن يحكم