أما الأوَّل، فمن البواعث: الحاجة، وأن تكون الوديعة ثمينةً، وإرادة الإضرار بالمودِع، قال الله تبارك وتعالى:{وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ}[آل عمران: ٧٥]. [ز ٥] وحُبُّ السمعة إذا كان الناس يمقتون المودِعَ، وكلُّ واحدٍ من هذه يتفاوت.
وأما الثاني فمن الموانع الدنيويَّة: ظَنُّهُ أنه ستُقَام عليه البيِّنةُ، ويؤخذُ منه المال، أو أنه سَيُعَاقَبُ بأخذ ماله أو بحبسه أو ضَرْبِه أو نحو ذلك، أو أنه يُحْرَمُ من فوائد أخرى، أو أنه يفتضح بين الناس, وكلٌّ من هذه يتفاوت. مثال التفاوت في الأخير: أن من الناس مَن لا يبالي بالفضيحة البتَّة, ومنهم مَن لا يبالي بالفضيحة إذا رأى أن كثيرًا من الناس سيشكُّون في أمره، ومنهم مَنْ لا يبالي بها إذا رأى أن كثيرًا مَن الناس سيحسنون الظنَّ به، ومنهم من يأبى الفضيحة ولا يبالي بالرِّيبة كأن رأى أن الناس إذا سمعوا بالقصَّة يرتابون ولا يجزمون بأنه خانَ، ومنهم مَن يأبى الرِّيبة العامَّة ولا يخون إلا إذا ظنَّ أن كثيرًا من النَّاس سيحسنون الظنَّ به، ومنهم مَنْ يأبى الريبة ولا يخون إلا إذا رأى أن النَّاس سيحسنون الظنَّ به. ومنهم مَنْ يزيد على هذا فيأبى أن يفتضح عند المودِعِ فلا يخونُه إلا إذا رأى أنه سيجوِّز براءته, ومنهم مَنْ لا يخون إلا إذا رأى أن المودِع سيحسن الظنَّ به كأن يحترق بيته ومتاعه فيزعم أن الوديعة احترقت فيما احترق. ومنهم مَنْ يزيد على هذا فلا يأمن سوء الظنِّ، ولكنه يخون إذا رأى أن المودِعَ نَسِيَ الوديعة. ومنهم مَنْ لا يخونُ إلا إذا أَمِنَ التهمةَ البتَّة، كأن يموت المودِعُ ولم يَعْلَمْ أحدٌ غيرهما بالوديعة.
وأما الثالث: فالمانع الديني رقيب الإيمان في قلب الإنسان، وقد يَقْوَى