بحيث لا يغلبه شيء، وقد يضعف بحيث تغلبه شبهةٌ من الشُّبَه، ثم يتفاوت الحال بتفاوت قوَّة الرقيب، وقوَّة الشبهة. فمن الشبهات أن يقول: الله غفور رحيم، قال الله عزَّ وجلَّ:{فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ}[الأعراف: ١٦٩].
ومنها أن يقول: سيشفع لي فلانٌ. المودِع غنيٌّ فإذا خنتُه في هذه لم يضرَّه. هو فاجرٌ، وأخْذُ مال الفاجر فيه مصلحةٌ. هو كافرٌ، والإضرار بالكافر مطلوبٌ. قد ظلمني زيدٌ فأظلم عمرًا، فيتكافأ الذي لي بالذي عَلَيَّ. قد ظلمني ابنُ عَمِّهِ أو أخوه فأظلمه استيفاءً لحقِّي. قد كنتُ أَوْدَعْتُهُ شيئًا فادَّعى أنه سُرِقَ، وما أُرَاهُ إلا كاذبًا فأخونه كما خانني. هو غنيُّ وأنا محتاجٌ، فهذا من جملة حقِّ المحتاج في مال الغنيِّ. هو غنيٌّ ولا أراه يؤدِّي الزكاة ولي حَقٌّ في الزكاة، فهذا منه. لي حسناتٌ كثيرةٌ تُكَفِّرُ هذه السيِّئة. سوف أتوب. مضت مُدَّةٌ ولم يطالبني بالوديعة فلعلَّه قد سمح لي بها. قد قلتُ له: ألا تأخذ وديعتك؟ فتبسَّم فكأنَّه أراد أن يُفْهِمَنِي أنه وهبها لي. قد قلتُ له: إني أريد أن أستمتع بالوديعة فسكت، والسكوت يدلُّ على الإذن. قد نفعته مرَّةً فلم يكافئني. قد سَبَّني مرةً فصار لي حقٌّ عليه. إلى غير ذلك.
وقد يَقْوَى الرقيبُ حتى لا ينقاد إلا لنحو قوله: قد كنتُ أودعتُه مثلَ هذا المال أو أكثر فجحدني فقد ظفرتُ بحقِّي، وقد يكون أقوى من هذا فيقول: ورد في الحديث: "أدِّ الأمانة إلى مَن ائتمنك، ولا تخن مَن خانك"(١).
(١) أخرجه أبو داود في كتاب الإجارة، بابٌ في الرجل يأخذ حقَّه مَن تحت يده، ٣/ ٢٩٠، ح ٣٥٣٥. والترمذيّ في كتاب البيوع، باب ٣٨، ٣/ ٥٥٥، ح ١٢٦٤، من حديث أبي هريرة. وقال: "حسنٌ غريبٌ". وأخرجه الحاكم في كتاب البيوع، "أدِّ الأمانة ... "، ٢/ ٤٦، وقال: "صحيحٌ على شرط مسلمٍ ولم يخرجاه، وله شاهدٌ عن أنسٍ ... "، فذكره.