وقد تَهْوَى القول لمناسبةٍ مَّا بينك وبين قائله، كأن تكون حنبليًّا فَتَهْوَى قول مالك إن كنت مدنيًّا أو قول أبي حنيفة إن كنت فارسيًّا أو قول الشافعي إن كنت قرشيًّا، حتى لقد نجد المرأة في عصرنا تميل إلى قول يُرْوَى عن عائشة.
وقد تهواه لأن في ظهور صحته نقصًا على من ينافسك من أقرانك ومعاصريك؛ لأنك تحبُّ ظهور نقصهم وظهورَ فَضْلِكَ عليهم. وكذلك تهواه إذا كان في ظهور صحته تخطئةٌ لمن كان ينافس أباك أو شيخك أو إمامك أو أيَّ رجل أو فريق تنتسب إليه؛ لأنك ترى أن في ظهور نقص ذاك رجحانًا لمن تنتسب إليه يسري إليك، حتى لقد يسمع الحنفي شعرًا منسوبًا إلى الإمام الشافعيِّ فيحرص على أن يقدح في فصاحته.
وقد تَهْوَى القولَ لأن فيه فضيلةً لك أو لمن تنتسب إليه أو توافقه في أمرٍ مَّا، أو لأن في مقابله نقصًا لمن يخالفك أو يخالف مَنْ تنتسب إليه، أو توافقه فتهوى القول بأنَّ الأعجميَّ كفءٌ للعربيَّة إن كُنْتَ عجميًّا، ومقابله إن كُنْتَ عربيًّا، وتَهْوَى صحةَ ما رُوِيَ في فضل العربِ دون ما رُوِيَ في فضل فارسٍ إن كنت عربيًّا، وعكسه إن كنت فارسيًّا.
وقد بلغ الأمر ببعض الجهلة من العرب والفرس إلى وَضْع كُلٍّ من الفريقين أحاديث في فضل قومه، وذمِّ الآخرين، وكذلك وضع بعض جهلة أهل الحديث أحاديث في فضل أصحابه وذَمِّ أهل الرأي، وَوَضَعَ بعضُ جهلة أهل الرَّأْيِ أحاديثَ في فضل أبي حنيفة وذمِّ الشافعيِّ، وجرت معارك بين القادريَّةِ والرفاعيَّة كلٌّ من الفرقتين تضع القصص والحكايات لإطراء شيخها وتنقيص الآخر.