وقد تهوى القول لأنه يُطْمِعُكَ في النجاة في الأخرى وإن ساء عملك، كالإرجاء المحض والغلوِّ في إثبات الشفاعة، وكالميل إلى صحة ما رُوِيَ من الأحاديث والآثار في الفضائل الخطيرة على الأعمال اليسيرة، وفي نجاة مَنْ مات بأحد الحرمين إن كنت تُؤَمِّلُ ذلك؛ وفي أن أهل البيت مغفورٌ لهم إن كُنْتَ منهم، وغير ذلك.
ويشتدُّ الهوى جدًّا في الأمور التي نشأ عليها الرجل وأَلِفَهَا وافتخر بها ومضى عليها آباؤه وأجداده وأحبَّاؤه وشيوخه ومَنْ يقتدي بهم، ويرجو النجاة بحبِّهم وشفاعتهم، إذا قيل له في كثير من تلك الأمور إنها بدع، وإن منها ما هو كفر أو شرك، ذلك أنه يرى أن من لازم صحة ذلك أن يظهر أنه كان مبتدعًا ضالًّا أو كافرًا مشركًا، وأنَّ كثيرًا من آبائه وأجداده وشيوخه وفقهائه وأقطابه وأوتاده كانوا مبتدعين [ز ٧] ضالِّين أو كفَّارًا مشركين وأنهم مخلَّدون في النار، وأنه إذا تدبَّر الحجج فتبيَّن له بطلانُ ما كان عليه هو وأسلافه فرجع إلى الحق كان رجوعُه بدعوة أناسٍ لم يزل يمقُتُهُم ويُسَفِّهُهُمْ.
هذا، وسيأتي الكلام على الأعذار، وفيه ما يُهَوِّن هذا الأمر ويعين الناظر على هواه إن شاء الله تعالى.
وقد ينعكس الهوى فَيَهْوَى الإنسانُ أن ينقض قولَهُ السابقَ وأن يخالفَ آباءه وأجدادَه وشيوخَه وأئمّتَه وسائرَ ما تقدَّم، يَهْوَى ذلك حرصًا على أن يقال: حرُّ الفكر بريءٌ من التعصُّب، وطمعًا أن يُعَدَّ مجدِّدًا يُؤْخَذُ عنه، وإمامًا يُقْتَدَى به، وعلى الأقلِّ يرى أنه إذا خالف الأكابر فقد صار قِرنًا لهم. وقد كان أصاغرُ الشعراءِ يَتَعَرَّضون لِهَجْوِ أكابرهم كجرير والفرزدق وبَشَّار، كل ذلك ليرتفعوا بذلك فيقال: إن فلانًا ممن هاجى جريرًا، ولهذا كان الأكابرُ