للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالعذاب عذابٌ خاصٌّ هو العذاب الدنيوي المستأصل (١) كإهلاك قوم نوح وعاد وثمود، واحتجوا على ذلك بقوله عقب هذه الآية: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً} الآية، فنظروا إلى ما بعدها وغفلوا عما قبلها.

والحق أن الرسول هو الرسول المعروف، وأن العذاب على إطلاقه، فيتناول الأخروي والدنيوي، وترتبط الآية بما قبلها وما بعدها، ولله الحمد. ولا يشكل على الآية ما يشاهَد من عموم الهلاك للصبيان والمجانين وما يتفق من هلاك مَنْ لم تبلغه دعوة؛ فإنه ليس كلُّ هلاكٍ عذابًا، ألا ترى إلى الطاعون هو رجز على الكفار وشهادة للمؤمنين، وإنما يكون الهلاك عذابًا إذا كان عقوبة على ذنب.

هذا وفي القرآن آيات أخرى تشهد لهذا المعنى، كقوله تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا}، إلى قوله: {يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (١٣٠) ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ} [الأنعام: ١٢٨ - ١٣١].

وقوله عزَّ وجلَّ: {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى} [الزمر: ٧١].


(١) انظر: متشابه القرآن للقاضي عبد الجبار الهمذاني المعتزلي ٢/ ٦٨. ونسب هذا القولَ القرطبيُّ (١٠/ ٢٣١) وأبو حيان (٦/ ١٠) والشوكاني (٣/ ٣٠٦) إلى الجمهور، مع ترجيح الأخيرين ما رجَّحه المؤلِّف.