للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال سبحانه: {وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ}، إلى أن قال: {كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (٨) قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ} [الملك: ٦ - ٩]، وهذه الآيات صريحة في أن جميع الذين يدخلون النار من الكفار قد جاءتهم نذرٌ منهم فكذبوهم، وقوله: {فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ} صريح في أن المراد بالنذير النبي، فاندفع ما يزعمه بعضهم من حمل النذير على العقل (١).

وذكر سبحانه وتعالى الرسل، ثم قال: {رُسُلًا ... الرُّسُلِ} [النساء: ١٦٥].

أوضح تبارك وتعالى بهذه الآيات أن من عدله وحكمته ورحمته ألا يعذب حتى يرسل رسولًا، فأخطأ قوم فقالوا ما سبق من أن المراد بالرسول في الآية هو العقل، فلا مع الشرع وقفوا، ولا عدل الله وحكمته عرفوا.

والحامل لهم على ذلك: أنهم زعموا أن العقل مستقل بإدراك وجود الخالق وأنه قادر عليم حكيم، وبإدراك أن الحكمة تقتضي المنع من القبيح وتقتضي تعذيب مرتكبه بشرطه، وبإدراك قبح كثير من الأعمال. قالوا: فمن لم تبلغه دعوة أصلًا إذا أدرك ما تقدم ومع ذلك ارتكب القبيح فقد استحق العذاب، وإن قَصَّر في إدراك ما تقدم أو بعضه فكذلك يستحق العذاب على التقصير وعلى ارتكاب القبيح.

أقول: كأن القوم قاسوا من لم تبلغه دعوة أصلًا على أنفسهم، فظنوا أنه


(١) الحرف الأخير لم يظهر في الصورة.