للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد ردَّ النووي في شرح مسلم (١) هذا القول فأجاد.

وكأن هؤلاء القوم توهَّموا أن معنى الآية: وما كنا معذِّبين أحدًا من أمَّةٍ حتى نرسل إليها رسولًا، ثم توهَّموا أنه لم يُرْسَلْ إلى العرب رسولٌ قبل محمَّد صلَّى الله عليه وآله وسلَّم أو أن الرسول أو الرسل الذين أرسلوا إلى العرب قبل محمد صلَّى الله عليه وآله وسلَّم كانت قد اندرست شرائعهم، فصار العربُ كمَنْ لم يُرْسَلْ إليهم رسول حتى أرسل الله محمدًا صلَّى الله عليه وآله وسلَّم.

وقد أخطؤوا في كلا الأمرين، أما الأول فإن الآية مطلقة، فمعناها: وما كنا معذِّبين أحدًا حتى نرسل رسولًا، فتتناول كلَّ أحد وكلَّ رسول سواء مَنْ كان من أمَّة الرسول ومَن كان من غيرها، وإنما الشرط بلوغ الدعوة فقط، على ما تقدَّم، مع قوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: ٢٨٦].

والغلط في هذا مبنيٌّ على الغلط في فَهْمِ ما أشار إليه القرآن وصرَّحت به السُّنَّة من أن الرسل قبل محمد صلَّى الله عليه وآله وسلَّم كان أحدُهم يُرسل إلى قومه خاصة، فتوهَّموا أنه إذا أُرسل إلى قومه خاصَّة لم يكن له بغيرهم عُلْقَة. والحقُّ أنَّ معنى إرساله إلى قومه خاصَّة أنه لم يؤمر بالتجَرُّدِ لتبليغ غيرهم وبَذْلِ المجهود فيه كما أُمِرَ بذلك في قومه، بل يكفيه في غير قومه ما تيسَّر له من أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر إذا لقيهم وأَمِنَ من شرِّهم ونحو ذلك.


(١) ٣/ ٧٩.