للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلما أُرْسِلَ هود إلى عاد كان غيرُهم من الأقوام الذين بلغتهم دعوتُه على قسمين: أمَّة فيها رسول حيٌّ أو قد مات ولكن شريعته باقيةٌ محفوظة، فهؤلاء يكفيهم رسولُهم ولا يلزمهم أن يأتوا هودًا، وأمَّة لم يُبعث إليها رسول أو بُعِث ثم مات واندرستْ شريعتُه أو بعضُها، فهؤلاء يلزمُهم أن يأتوا هودًا ويطيعوه.

قال الحَليمي في منهاجه: "إن العاقل المميز إذا سمع أيّة دعوة كانت إلى الله تعالى، فترَك الاستدلال بعقله على صحَّتها وهو من أهل الاستدلال والنظر، كان بذلك معرضًا عن الدعوة، فيكفر"، نقله في روح المعاني (١).

ولا ريب أنهم إذا جاؤوه لم يقل لهم: لا شأن لي بكم إنما أُرْسِلْتُ إلى غيركم.

وفي الفتح في الرَّدِّ على من زعم أن رسالة نوح كانت عامَّة بدليل أنه دعا على جميع أهل الأرض فأُغرقوا: "ويحتمل أن يكون دعاؤه قومَه إلى التوحيد بَلغ بقيَّة الناس فتمادوا على الشرك فاستحقُّوا العقاب، وإلى هذا نحا ابن عطيَّة في تفسير سورة هود. قال: وغيرُ ممكن أن تكون نُبوَّته لم تبلغ القريب والبعيد لطول مُّدَّته" (٢).

أقول: وكان نوح قريبَ العهد من آدم، فكأنَّ أهل الأرض كانوا في عهده قليلًا متقاربين لم ينتشروا في الأرض كلها، وإنما هم في إقليم واحد، ولم يثبت بدليل صحيح ما يخالف ذلك، وليس في الإسلام ما ينص على أن آدم


(١) ٤/ ٤٩٥. [المؤلف]. وهو في المنهاج في شعب الإيمان للحليمي ١/ ١٧٥.
(٢) فتح الباري، أوائل كتاب التيمم، ١/ ٢٩٨. [المؤلف]. وانظر: المحرر الوجيز لابن عطية ٤/ ٥٧٢.