للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يتعبد بالتفكر. ويحتمل أن تكون عائشة أطلقت على الخلوة بمجرَّدها تعبُّدًا؛ فإن الانعزال عن الناس ولا سيَّما مَن كان على باطلٍ من جُمْلة العبادة، كما وقع للخليل عليه السلام حيث قال: {إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الصافات: ٩٩].

ثم ذكر مسألة تعبُّده صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قبل البعثة بشرعٍ، وذكر قول مَن قال: لم يكن متعبَّدًا بشريعة نبيٍّ قبله، ثم ذكر شبهتهم "لأنه لو كان تابعًا لاستبعد أن يكون متبوعًا، ولأنه لو كان لنُقِل مَنْ كان يُنْسَبُ إليه" (١).

أقول: الأوَّل خيالٌ فاسدٌ، وكأن قائله لم ينظر في أحوال الأنبياء الماضين ولم يعلم ما يلزم قوله من الفساد، وهو أن مَنْ أراد الله تعالى إرساله يبقى أربعين سنة غير مكلف. وأما الثاني فقد نُقِل كما علمت.

ثم ذكر القول بتعبُّده بشرع نبيٍّ قبله، وذكر الأقوال في ذلك إلى أن قال: "الثالث: إبراهيم، ذهب إليه جماعةٌ، واستدلُّوا بقوله تعالى: {أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [النحل: ١٢٣]، إلى أن قال: "ولا يخفى قوة الثالث ولا سيَّما مع ما نقل من ملازمته للحج والطواف ونحو ذلك مما بقي عندهم من شريعة إبراهيم، والله أعلم" (٢).

أقول: قد جاء عن زيد بن عمرو بن نفيل قوله: "إني خالفت قومي واتبعت ملة إبراهيم وإسماعيل وما كانا يعبدان وكان يصليان إلى هذه القبلة" ذكره في الفتح في باب حديث زيدٍ (٣).


(١) فتح الباري ٨/ ٥٠٦.
(٢) فتح الباري ٨/ ٥٠٦ - ٥٠٧.
(٣) ٧/ ٩٧. وأخرجه ابن سعد في الطبقات ٣/ ٣٧٩، والفاكهي في أخبار مكة ٤/ ٨٥ - ٨٦، ح ٢٤١٩، وأبو نعيم في الدلائل ص ١٠٠، ح ٥٢ من رواية عامر بن ربيعة العدوي عنه.