للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي صحيح مسلمٍ (١) في قصَّة إسلام أبي ذرٍّ قوله: "وقد صليت يا ابن أخي قبل أن ألقى رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم بثلاث سنين"، قال ابن أخيه: "قلت: لمن؟ قال: لله، قلت: فأين توجَّه؟ قال: حيث يوجهني ربي، أصلي عشاء حتى إذا كان من آخر الليل أُلْقِيتُ كأني خِفَاءٌ" (٢).

ففي هذا ما يدل أنه كان قد بقي من شريعة إبراهيم ما يسمى صلاة وإن لم نعلم صفتها، إلا أنه [ز ٢٥] كان فيها سجود كما تقدم في قصة زيد بن عمرو بن نفيل "ثم يسجد على راحته"، وذكره في الفتح بلفظ: "ثم يسجد على الأرض براحته" (٣).

هذا بعض ما ورد به النقل، وفيه كفاية. وقد بان أن الله تبارك وتعالى وفَّق نبيه صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قبل النبوة لما كان يلزمه، فمن ذلك ما أدركه بنظره، ومنه ما يسَّر له مَنْ ساءله فأخبره كزيد بن عمرو بن نفيل، ومنه ما نُبِّه عليه بأمرٍ غير عاديٍّ كقضية الستر. وقد كان بلغه صلَّى الله عليه وآله وسلَّم تبديلُ اليهود والنصارى بالتواتر وبأخبار من يثق به كزيد بن عمرو بن نفيل فأيْأسَهُ ذلك أن يجد عندهم من الحق ما يوثق به، فسقط عنه سؤالهم، مع أن الله عزَّ وجلَّ جنَّبه ذلك للحكمة التي نبه عليها بقوله سبحانه: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ}


(١) في كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أبي ذرٍّ رضي الله عنه، ٧/ ١٥٣، ح ٢٤٧٣.
(٢) كغطاءٍ وزنًا ومعنىً، والمعنى: كأني ثوبٌ مطروحٌ. مشارق الأنوار (ج ف و) ١/ ١٦٠.
(٣) فتح الباري ٧/ ١٠٠.