ولكن لا بدَّ من تقييد الشرك الذي يقبل المغفرة لكون فاعله لم يعلم به بأن يكون فاعله معذورًا في جهله على ما مرَّ.
فإن قلت: إنما يصح الاستدلال بقوله: "ونستغفرك لما لا نعلم" إذا حُمل على معنى: لا نعلم أنه شرك، وقد تعمَّدنا فعله، وقد يحتمل معنًى آخر وهو أن يقال: أي: لا نعلم أننا نفعله أي: لم نتعمَّد فعله أصلًا، بل وقع سهوًا كالقائل:"اللهم أنت عبدي وأنا ربك". قلت: المعنى الأول هو المتعيِّن لدلالة السياق على أنَّ الذي لا يُعلم هو الخفيُّ، فإنما لم يُعلم لخفائه لا لعدم تعمُّده، ولدلالة التمثيل بالحب على جورٍ والبغض على عدلٍ، ومعناه: أن تحبَّ رجلًا لجورٍ جارَه من حيث هو جور، وتبغض رجلًا لعدلٍ عدَله من حيث هو عدْل، فلا يدخل في هذا حبك حاكمًا حكم لك بمالٍ جورًا وتبغض آخر حكم عليك بعدلٍ إذا أحببت ذاك من حيث نفعك نفعًا دنيويًّا وأبغضت هذا من حيث ضرَّك ضررًا دنيويًّا.
فأما قول الله عزَّ وجلَّ:{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}[النساء: ٦٥]. /فقد قيل: إنَّ المعنى: لا يؤمنون إيمانًا كاملًا، وفيه نظر، والأولى أن يقال: المراد بالحرج الحرجُ الذي يصحبه نسبة النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم إلى الجور والظلم، فأما مَن حكم عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم بمالٍ يدفعه إلى صاحبه فدفعه موقنًا بأن الحكم حق وعدل ولكن نفسه كارهة للدفع حبًّا للدنيا وحرصًا عليها، فمثل هذه الكراهة لا تنافي أصل الإيمان.