الطفل إذا بلغ فعرف أنَّ أسلافه كانوا مسلمين حتى تنصَّر أبواه مثلًا فإن غرامه بالنصرانيَّة لا يكون كغرام من عرف أن أسلافه مضوا عليها من قرونٍ كثيرةٍ، فهذا يحتمل أن يميل إلى النصرانيَّة؛ لأن أبويه صارا إليها ويحتمل أن يميل إلى الإسلام؛ لأنَّ أسلافه مضوا عليه حتى صار أبواه إلى خلافه، فله شبه بمن كان أحد أبويه مسلمًا والآخر كافرًا. هذا في الرِّدَّة المكشوفة، ودونها درجات.
فأما مسألتنا وهي أن يعرف أنَّ أسلافه مضوا على الإسلام، وأنَّ أبويه عاشا ينتسبان إلى الإسلام مغتبطَين به يعتقدان أنه هو الدين الحق ويبذلان أنفسهما في سبيله، ويُعَظِّمان القرآنَ ويعتقدان أنَّ كلَّ ما فيه حقٌّ، ويحبَّان النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ويعتقدان أن كلَّ ما جاء به حقٌّ، ويحترمان سلف الأمة وعلماءها، ويتمسكان بشعائر الإسلام، ويعتقدان حقًّا عليهما أن لا يخالفاه، ويحكمان على أنفسهما أنهما إن خالفاه ولم يعذرهما الله عزَّ وجلَّ هلكا، ولكنهما وقعا في شيء كانا يزعمان أنه لا يخالف الإسلام وجماعة من أهل العلم يقولون إنه مخالف. فهذا الغلام إن لم توضح له الحجة على أنَّ تلك المخالفة كفرٌ فالظاهر أنه يتبع أبويه عليها، ولكن هذا لا يكفي للحكم عليه من طفوليَّته بعدم الإسلام؛ فإن النظر في هذا الباب مبني على فرض قيام الحجة، ألا ترى أنه يحكم بالإسلام للطفل الذي أبوه وأسلافه كلهم نصارى وأمه مسلمة مع العلم بأنه إذا لم توضح له حجة الإسلام إنما يتبع أباه وأسلافه.