للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لا يُطاق، وإنما يستثنون صورةً واحدةً هي ما عَلِمَ الله تعالى أنه لا يكون، قالوا: قد علم الله تعالى أن أبا جهلٍ لا يؤمن؛ فإيمانه محالٌ، ومع ذلك كان مكلَّفًا بالإيمان (١).

قال عبد الرحمن: هذه الصورة لا يُحْتَاج إلى استثنائها من قول الله عزَّ وجلَّ: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}، ولا من قولهم: لا يكلِّف الله تعالى أحدًا بما لا يطيق؛ لأن علم الله تعالى بعدم إيمان أبي جهلٍ لا ينافي أنه كان في وسعه الإيمان وأنه كان يطيقه ويقدر عليه (٢)، ألا ترى أنك تقول: لم أفعل كذا وكان في وسعي أن أفعله أو وكنت أطيقه أو وكنت أقدر على فعله. ولو ضرب رجلٌ ابنك وأنت غائب فلما حضرت قلت له: لو كُنْتُ حاضرًا ما قَدَرْتَ على ضربه، فقال: لم يكن في وسع أحد ولا قدرته حتى رب العالمين (على) (٣) منعي من ضربه، لبادَرَ الناس بحقٍّ إلى تكفيره.

ومع نصهم أنه لا يستثنى إلا هذه الصورة البعيدة ففي كلامهم ما يُشْعِرُ باستثناء أخرى هي التي جَرَّتْنا إلى هذا البحث.

قال العضد في مواقفه في الكلام على خلود الكفَّار في النار: "قال الجاحظ والعنبريُّ: هذا في الكافر المعاند (٤)، وأما البالغ في اجتهاده إذا لم يهتد للإسلام ولم تَلُحْ له دلائل الحق فمعذورٌ، وكيف يُكَلَّف بما ليس في


(١) قال في تشنيف المسامع بجمع الجوامع ١/ ٢٨١ بعد ذكره القول بامتناع تكليف ما لا يطاق ونسبته إلى المعتزلة: "وساعدهم كثير من أئمتنا".
(٢) انظر: شرح العقيدة الطحاوية ٢/ ٦٧٤.
(٣) كذا في الأصل.
(٤) زاد السيِّد في شرحه "والمقصِّر"، وسياق المتن يدلُّ عليه. ع. [المؤلف]