للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأمَّا المؤاخذة فهو مؤاخَذٌ على أقواله وأفعاله كما علمْتَ، وعلى عدم الإيمان؛ إذ المانع عن الإيمان ليس هو الختم فحسب بل الهوى وبغض الحق والاستكبار الذي منعه قبل الختم باقٍ وهو بعد الختم المانعُ في الظاهر، وهو مانعٌ آخر في الباطن. فمؤاخذته بالنظر إلى هذا المانع لا إشكال فيها وإنما هو كمن كان ممتنعًا عن أداء الزكاة بُخْلًا ثم عرض له ذو سطوة فَوَكَّلَ به مَنْ يلازمه قائلًا: إن أدَّيت الزكاة قتلتك، فما دام المانع الذي في نفسه وهو البخل قائمًا فهو آثم ولا ينفعه وجود المانع الآخر وهو الإكراه.

ومع ذلك فإن مانعيَّةَ الختم هي أثر الختم، والختم أثر عناده الذي كان باختياره. واختيارُ الأمر المنهيِّ عنه يُعَدُّ اختيارًا لما يترتَّب عليه من المفاسد ولو مع الجهل والعجز؛ فإن الله تبارك وتعالى إذا نهى عن أمرٍ عُلم أنه يترتَّب عليه مفاسد إن عَرَف الإنسان بعضها خفي عنه بعضها، وإنما يحيط بها الحكيم العليم جَلَّ وعلا، فإذا اختاره الإنسان كان مختارًا لكلِّ ما يترتب عليه من المفاسد على وجه الإجمال. قال الله تعالى: {لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [النحل: ٢٥].

وقصَّ سبحانه قصَّة قتل ابن آدم أخاه، ثم قال: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: ٣٢].

وفي الحديث: " ... ومَنْ سنَّ في الإسلام سنَّةً سيِّئَةً فَعُمِلَ بها بعده كُتِب عليه مثلُ وِزر مَن عمل بها ولا ينقص من أوزارهم شيءٌ" (١).


(١) صحيح مسلمٍ، كتاب العلم، باب مَن سنَّ سنَّةً إلخ، ٨/ ٦١، ح ١٠١٧. [المؤلف]