للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ورواه غيره بلفظ: " ... ومَنْ سنَّ سنَّةً سيِّئَةً فَعُمِلَ بها كان عليه وزرها ووزر من عمل بها لا ينقص من أوزارهم شيئًا" (١).

وقوله في الرواية الأولى: "في الإسلام" ليس بقيدٍ، وإنما فائدته ــ والله أعلم ــ التنصيص؛ لئلا يتوهَّم أن هذا الحكم خاصٌّ بمن قبلنا وأنه من الإصر المرفوع عنا، فتدبَّرْ.

وفي الحديث: "لا تُقتل نفسٌ ظلمًا إلا كان على ابن آدم الأول كِفْلٌ من دمها؛ لأنه كان أوَّلَ مَن سَنَّ القتل" (٢).

وليس هذا من التكليف بما لا يُطاق، وإنما هو أثر التكليف بالأمر الأوَّل. فالإنسان منهيٌّ عن الإحداث في الدين، قائمةٌ عليه الحجَّة بأن الله عزَّ وجلَّ إذا نهى عن شيءٍ فإنه تترتَّب عليه مفاسد لا يحيط بعلمها إلا هو، فإذا أقدم على الإحداث فقد اختار كلَّ ما يترتَّب عليه كما مرَّ. وعقوبة الذنب على مقدار ما تحقَّق من شرِّه، فكلَّما عَمِل عاملٌ بتلك المحدثة تحقَّق لإحداث المُحْدِث الأوَّل شرٌّ جديد، فلا تزال تضاعف عليه العقوبة بمقدار ما يتضاعفُ من الشَّرِّ والعياذ بالله.

هذا، وقد قال أهل العلم: إن المتعدِّيَ بسُكْرِه مؤاخَذٌ بما يقع منه وهو سَكْران (٣). والعقل لا ينكر هذا، ألا ترى لو أن ثلاثة نفرٍ سَكِرُوا؛ أما أحدهم


(١) سنن ابن ماجه، باب مَن سنَّ سنَّةً إلخ، ١/ ٧٤، ح ٢٠٣. [المؤلف]
(٢) صحيح مسلمٍ، كتاب القسامة، باب بيان إثم مَن سنَّ القتل، ٥/ ١٠٦، ح ١٦٧٧. صحيح البخاريِّ، كتاب الاعتصام [بالكتاب والسنَّة]، باب إثم مَن دعا إلى ضلالةٍ أو سنَّ سنَّةً سيِّئةً، ٩/ ١٠٣، ح ٧٣٢١. [المؤلف]
(٣) انظر: الأم للشافعي ٦/ ٦٤٦، والأشباه والنظائر للسيوطي ٢١٦.