للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومنها: ما سبق أنه كان يخفى على العرب شيء من دقائق معنى الإله والعبادة، ولم يكن النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم [ز ٥٠] يُلْزِمُ مَن أسلم أن يتعلَّم جميعَ ذلك على الفور، بل رُبَّما كان أحدُهم يُسْلِم فيأمره لوقته أن يذهب للجهاد.

ومنها: حديث "اتَّقُوا هذا الشرك فإنه أخفى من دبيب النمل" (١)، ولم يأمرهم النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم أن يستفرغوا أوقاتهم في التعلُّم، بل أرشدهم أن يقولوا: "اللهم إنا نعوذ بك مَن أن نشرك بك شيئًا نعلمه، ونستغفرك لما لا نعلم".

ومنها: أن المسلمين مِنْ عهد الصحابة وهَلُمَّ جرًّا كانوا يكتفون ممن يقبل الإسلام من الأعاجم بأن يُلَقِّنَهُ مسلمٌ الشهادتين ويُفَسِّرَ له معناهما كما تيسَّر، ولا يُلْزِمونه أن يسائل كلَّ مَن لقيه من أهل العلم، ولا أن يرتحِل إليهم فيسائلهم حتى يعلم اتفاقهم، ولا أن يبادر إلى تعلُّم العربية والقرآن وتفسيره والسنَّة حتى يحصل له المعرفة التامَّة، بل لا نعلمهم أوجبوا أن يتعلَّم من القرآن إلا ما لا بدَّ منه لصحَّة الصلاة ولا نعلمهم أوجبوا معرفة تفسير ذلك.

وقريبٌ من كلمة الوُسْعِ كلمتا الاستطاعة والطَّاقة، وقد فُسِّر قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: ٩٧] بوجدان الزاد والراحلة، وذلك دون المجهود.

وفي الصحيحين وغيرهما من طرقٍ حديث المعراج وفيه قول موسى لمحمَّدٍ عليهما الصلاة والسلام في المراجعة في فرض الصلوات: "إن أمَّتك


(١) سبق تخريجه في ص ٥٤ - ٥٥، ١٤٣ فما بعدها.