للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كان آباؤه مسلمين ونشأ هو على الكفر؛ فإن هذا مرتد لا يُقْبَل منه إلا الإسلام، وهكذا يكون التخفيف في الآخرة، فعذاب المرتدِّ أشدُّ من عذاب الكافر الأصليِّ، والله أعلم.

وأما العاشق الذي صادف صاحبته في خلوة فلعلَّ الله عزَّ وجلَّ أن يلطف به فيحجزه عنها أو يستره ويتوب عليه أو يخفِّف عنه من العذاب. ونحو هذا يقال في مدمن الخمر، وفي قصَّة النعيمان (١) ما يشهد لذلك. والله أعلم.

الأمر الرابع: أن الذي جرى عليه العمل في عهد الصحابة والتابعين هو التوسعة على العامَّة في عِلْم الدين، فيُكْتَفَى للعامِّيِّ بأن يعمل ما يرى عليه المسلمين، فإن عرضت له قضيَّة سأل مَن يتفق له ممن يُعْرَف بالعلم، ولما نشأت البدع كان العلماء يُنَفِّرُون العامَّة عن المبتدع لئلَّا يعتمدوا عليه، وربما كان يشتهر العالِمُ في جهة فتميل عامَّة تلك الجهة إلى الاعتماد عليه دون مَنْ يخالفه ما لم يظهر لهم خطؤه.

والعامَّة في القرون المتأخِّرة لم يزالوا في الظاهر على تلك الطريق، وإنما الفرق أن الذين كانوا يشتهرون في عهد السلف بأنهم علماء هم علماء حقًّا، والذي كان يُنَفِّر عنه العلماء بأنه مبتدع ضالٌّ كان مبتدعًا ضالًّا حقيقة، والحال في العصور المتأخرة على خلاف ذلك، فإن الذين يشتهرون فيها بأنهم علماء عامَّتُهم مقلِّدون لمذاهبهم، وكلُّ مذهب منها قد ضُمَّ إليه


(١) هو النعيمان بن عمرٍو بن رفاعة بن الحارث الأنصاري، شهد بدرًا، واشتهر بالمزاح، ووُصِف بشرب الخمر، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقيم عليه الحدَّ، فلعنه رجل، فمنع النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - من لعنه. الإصابة في تمييز الصحابة ١١/ ١١٢ - ١١٧.