المبرقَش اللَّون؛ لأنه وجد الأذى مقرونًا بهذه الصورة، فتوهم أنَّ هذه الصورة مقرونة بالأذى. وكذلك تنفر النفس عن العسل، إذا شُبِّه بالعَذِرة؛ لأنه وجد الأذى والاستقذار مقرونًا بالرَّطْب الأصفر، فتوهَّم أنَّ الرَّطْبَ الأصفر مقرون به الاستقذار، ويغلب الوهم حتى يتعذَّر الأكل وإن حكم العقل بكذب الوهم، لكن خُلِقَتْ قُوَى النفس مطيعة للأوهام وإن كانت كاذبة، حتى إنَّ الطبع لينفر عن حسناء سمِّيت اسم اليهود إذا وجد الاسم مقرونًا بالقبح، فظنَّ أنَّ القبح أيضًا ملازم للاسم. ولذا تُوْرَد على بعض العوامِّ مسألة عقلية جليلة فيقبلها، فإذا قلت: هذا مذهب الأشعري أو الحنبلي أو المعتزلي نفر عنه إن كان يسيء الاعتقاد فيمن نَسَبْتَه إليه، وليس هذا طبعَ العامِّيِّ خاصَّة، بل طبعُ أكثر العقلاء المُتَّسمين بالعلوم، إلا العلماء الراسخين الذين أراهم الله تعالى الحقَّ حقًّا، وقوَّاهم على اتِّباعه .... » (١).
أقول: ومما يوضح ما قاله الغزالي أنك قد ترى من يشبه صديقًا لك فتميل إليه نفسك، مع أنك لم تره قبل ذلك، وترى من يشبه بغيضًا لك، فتنفر نفسك عنه، وترى من يشبه مخوفًا لك فتخافه، وقس على هذا. حتى إن الإنسان ليميل إلى سَمِيِّ صديقه، وينفر عن سميِّ بغيضه، ونحو ذلك، وقد يكون عهدك بصديقك أو بغيضك أو مخوفك بعيدًا، أو تكون مشابهة هذا له غير واضحة، فيخفى عنك السبب، فتبقى متعجبًا ما بال نفسي مالت إلى هذا الشخص مع أني لم أره قبل الآن. وما لها نفرت عن هذا مع أني لم أره قبل الآن، وأكثر الناس يوجِّهون ذلك بتعارف الأرواح أو تناكرها، وهذا وإن كان صحيحًا في الجملة إلَّا أنَّ الغالب ما تقدّم، وأنت إذا تذكّرت وتفكَّرْت