للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عرفت صحَّة ما ذكرنا. وهذا الباب واسع حتى لقد ترى الشخص فتظنُّه عالمًا، وما ذلك إلا لمشابهةٍ بينه وبين رجلٍ عالمٍ قد عرفته قبل ذلك.

فأمَّا ما ذكره الغزاليُّ أنَّ الإنسان قد تُذْكَر له مسألة عقلية جليلة فيقبلها، فإذا قيل له: هذا قول الأشعرية وكان يسيء الظن بهم نفر عنها، فقد يكون لما ذكر بأن يكون هذا الإنسان طالب علم، وقد عرف مسائل أخطأ فيها الأشعرية، فلما نُسِبَتْ هذه المسألة إليهم نفرت نفسه عنها لمشابهتها لتلك المسائل في أنَّ الجميع من قول الأشعرية، فتوهَّم أنَّ المشابهة في هذا الأمر تشعربالمشابهة في الخطأ، وقَوِيَ هذا المعنى في وهمه حتى غلب ما قام لديه من دليلٍ على صحَّة قولهم في تلك المسألة.

وقد يكون طالع مذهب الأشاعرة فظهر له أنَّ الغالب فيما يخالفون فيه المعتزلة الخطأ، فاجتمع عنده القياس الوهميُّ السابق مع الحمل على الغالب.

وقد يكون سمع كثيرًا ممن يحسن الظن بهم يذمّون الأشعرية، وقد يكون وجد آباءه وأشياخه على الاعتزال ونشأ عليه، فصار يكره أن يُنْسَب الغلط إلى مذهبه ومذهب آبائه وأشياخه. وهذا هو التعصب، وهو أوْخَم هذه الأمور، فلقد بلغ بكثير من الناس إلى ما يظهر منه اعتقاد العصمة في فرد من أفراد الأمة؛ فإنك تجد كثيرًا من المقلدين للشافعيِّ مثلًا لا يجوِّزون الخطأ عليه. فإن قيل: إنهم لا يصرِّحون باعتقاد العصمة. قلت: نعم، ولكن ألا تراهم كلما عُرِضَ عليهم قولٌ من أقوال الشافعي اعتقدوا أنه الحق، ولا يتردَّدون فيه، ولو خالف القرآن أو خالف الأحاديث الصحيحة أو خالف أكابر الصحابة أو خالف جمهور الأمة؟ فلولا أنهم يعتقدون له العصمة لكانوا إذا بُيِّنَتْ لهم الحجة على خلافه خضعوا لها.