للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولقد كثر اعتقاد العصمة في كثير من أفراد الأمة فضلًا عن الطوائف كالأشعرية والمعتزلة ونحوها، ومع هذا فلا نقول فيمن لم يصرِّح باعتقاد العصمة إنه يعتقدها، وإنما وقعوا فيما وقعوا فيه بالتعصب ومحبة النفس، فإنَّ أحدهم يحب نفسه حتى لا تطاوعه نفسه إلى الاعتراف بأنَّ آباءه أو مشايخه أو أهل مذهبه أخطؤوا، فلذلك تجده لا يميل إلى الاعتراف بأن إمامه أخطأ، وإن قامت الحجة عليه، بل يذهب يحرِّف الحجج ويؤوِّلها. وليس هذا بالتقليد الذي أجازه العلماء في الفروع وأنكره بعضهم، وإنما التقليد المجوَّز أن تأخذ بقول مجتهد لا تعلم حجَّته، ولكن قد قام عندك دليل يفيد الظن بأنَّ قوله صواب، فإذا أُخْبِرْتَ بدليل أقوى من الدليل الأول يدلُّ على أنَّ ذلك المجتهد أخطأ، وأنَّ الصواب قول مجتهد آخر، لزمك أن ترجع إلى قول الآخر، فإن منعك التعصُّب فعليك أن تكتفي بقول: «لعلّ لإمامي جوابًا عن هذا الدليل». واعلم أنَّ هذا لا أراه ينجيك؛ لما تقرَّر في الأصول من وجوب اعتقاد أنَّ الدليل الظاهر على ظاهره، والعمل بمقتضى ذلك حتى يتمَّ البحث، فإن ظهر بالبحث أنَّ هناك دليلًا آخر يوجب تخصيص الأول أو تأويله عُمِلَ به من حين ظهوره. ذَكَرَ أهلُ الأصول هذه المسألة في بحث الأمر وبحث العامِّ (١).

ولا فرق بين المقلِّد وغيره؛ لأنَّ قول إمامه وإن كان شبه قرينة على أن لذلك الدليل مخالفًا، فهذه القرينة معارَضَةٌ بقول مَنْ قال من المجتهدين بظاهر ذلك الدليل، والتفاوت بين المجتهدين يسير لا يقاوِم الدليلَ الظاهرَ


(١) انظر: قواطع الأدلَّة للسمعانيّ ١/ ٣٠٨، وتشنيف المسامع للزركشيّ ٢/ ٥٩٩ و ٧٢٨.