للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

موت الشيخ ليكون لهم بذلك جاه وشهرة، وليحملوا الناس على كثرة زيارة ضريحه، وبذل أموالهم على سبيل النذر وغيره، فيتمتع بها أولئك الفجار، ومَنْ وقف على كتب القادرية والرفاعية عرف إلى أي حدٍّ يصل التعصب بين أتباع المشايخ. وكثيرًا ما تكون الغرائب المنقولة حِيَلًا دَبَّرها أتباع الشيخ بحضرته أو عند قبره، وقد وقفنا على بعض ذلك.

وأما سبب انتشارها بين الناس فهو أنَّ للطباع البشرية وُلُوعًا (١) بذكر العجائب والغرائب, كما تراه منتشرًا بينهم من أخبار الجن والغِيلان والكيمياء وعجائب المخلوقات. وغالب ذلك مما لا أصل له، وإنما يختلق الإنسان شيئًا من ذلك مدحًا لنفسه أو لمن له علاقة به، [٦١] أو تكون جرت له قصة توهَّم فيها خارقًا، كمن يخيل له بعض الخيالات في النوم ويستيقظ بسرعة فيتوهم أنه لم يزل مستيقظًا، وأن الأمر الذي تخيَّل له كان يقظة؛ أو كان في ظلمة وخوف، فتوهَّم شيئًا، فذهب يحكيه على أنه أمر واقع، أو يكون احتال عليه بعض الناس بحيلة أوهمته تلك الواقعة.

والغالب في هؤلاء أنهم إذا حكوا الحكاية وأراد بعض العقلاء أن يناقش فيها حملهم ذلك على أن يسدِّدوا مواضع الخلل والاحتمال فيها بالكذب. ثم يتلقَّى الناس تلك الحكايات وينشرونها لحرصهم على الإغراب والتعجيب، وكثيرًا ما يكملها الحاكي بالكذب إذا رآها غير وافية بالتعجيب ويدافع عنها إذا قوبلت بالتكذيب، فيزعم أن الذي أخبره ثقة، أو أن الحكاية متواترة أو نحو ذلك.


(١) هكذا ضبطه المؤلف بضم الواو، ونصّت عامَّة المعاجم على أنَّ هذا المصدر من المصادر القليلة التي تأتي على فَعول.