فأما إن حكيت تلك الغريبة على أنها كرامة فإن الدواعي إلى نقلها ونشرها أشدُّ؛ لما تقدَّم، ومقابلتها بالشك أو التردد بعيد جدًّا عند العامة وكثيرٍ من المنتسبين إلى العلم؛ لأنهم يعتقدون أنَّ الشك في مثل ذلك شكٌّ في قدرة الله عزَّ وجلَّ وفساد عقيدة، فترى أحدهم يُكْرِهُ نفسه على التصديق بذلك خوفًا من الكفر وفساد العقيدة ولا يسمع أحدًا يُكَذِّبها أو يستبعدها أو يتردَّد في صِحَّتها [٦٢] إلا ناله بما يكره.
ولما صار أكثر المنتسبين إلى العلم في القرون المتأخرة يتزلَّفون إلى العامة وإلى مَن تعتقد فيه العامة جَارَوْهُم على هواهم، وأحسنهم حالًا مَنْ يعتصم بالسكوت.
والحاصل أنَّ من أراد أن يعلم في شيء من تلك الخوارق المحكية عن بعض المعتقَد فيهم أثابتة هي أم لا؟ فعليه أن يختبرها بما تُخْتَبَرُ به سنة النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ومعجزاته.
ومَن كان له اطِّلاع على علم الحديث وكلام أهله والكتب التي أُلِّفَتْ في الموضوعات علم أنَّ كثيرًا من الموضوعات قد اغترَّ بها أئمة أكابر كالغزالي وإمام الحرمين والزمخشري والبيضاوي وغيرهم، فأدرجوها في كتهبم، بل إنَّ أئمة الحديث ليوردون في كتبهم التي لم يلتزموا فيها الصحة كثيرًا من الأحاديث الموضوعة ولا يُنَبِّهون على وضعها مكتفين بأنهم لم يلتزموا الصحة، وأن على من رأى حديثًا في كتبهم ينبغي له أن يبحث عن درجته. ويقع هذا كثيرًا في مؤلفات ابن منده وأبي نعيم والخطيب وابن عساكر وغيرهم. بل وقع بعضه في الكتب التي قيل إنها خاصة بالصحاح، ولا سيَّما المستدرك، ولم يَعُدَّ أحدٌ من العلماء ذلك دليلًا على