للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والحاصل أن ابن بطَّالٍ توسَّط بين مَن يثبت الكرامة ومَن ينفيها، فجعل الذي يُثبَت ما قد تجري به العادة لآحاد الناس أحيانًا، والممتنعَ ما يقلب الأعيان مثلًا.

والمشهور عن أهل السنَّة إثبات الكرامات مطلقًا، واستثنى بعض المحقِّقين منهم كأبي القاسم القشيريِّ ما وقع به التحدِّي لبعض الأنبياء، فقال: ولا يصلون إلى مثل إيجاد ولدٍ من غير أبٍ ونحو ذلك. وهذا أعدل المذاهب في ذلك؛ فإن إجابةَ الدعوة في الحال وتكثيرَ الطعام والماء والمكاشفةَ بما يغيب عن العين والإخبارَ بما سيأتي ونحو ذلك قد كثر جدًّا حتى صار وقوع ذلك ممن ينسب إلى الصلاح كالعادة، فانحصر الخارق الآن فيما قاله القشيريُّ، وتعيَّن تقييد قول مَن أطلق أن كلَّ معجزةٍ وُجِدَتْ لنبيٍّ يجوز أن تقع كرامةً لوليٍّ» (١).

وفي شرح المقاصد: ثمَّ المجوزون ذهب بعضهم إلى امتناع كون الكرامة على قضيّة الدعوى، حتى لو ادّعى الوليّ الولاية واعتقد بخوارق العادات لم يجز ولم يقع، بل ربما يسقط عن مرتبة الولاية.

وبعضهم إلى امتناع كونها من جنس ما وقع معجزة لنبي, كانفلاق البحر وانقلاب العصا وإحياء الموتى، قالوا: وبهذه الجهات تمتاز عن المعجزات.

وقال الإمام: هذه الطرق غير سديدة، والمرضي عندنا تجويز جملة خوارق العادات في معرض الكرامات، وإنما تمتاز عن المعجزات بخلوِّها


(١) فتح الباري ٧/ ٢٦٨ - ٢٦٩. [المؤلف]