للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَذن لها بالسؤال عن ذلك فَسَأَلَتْهُ على وجه التعجُّب, فدعوى لا دلالة عليها في ظاهر التنزيل ولا خبر لها من الحجة يقطع العذر" (١).

أقول: قد علمت الدلالة, ولو لم يكن إلا قوله تعالى: {لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ} وقول جبريل: "ما نسأله عن شيء" لكفى.

فأما وصفهم الخليقة الأرضية بالفساد وسفك الدماء فقد جاء عن جماعة من السلف أن الله تعالى كان قد أخبر الملائكة بذلك. وفي هذا نظر. والظاهر ما جاء عن بعض السلف أيضًا أن الملائكة فهموا ذلك بالاستدلال، إما بالقياس على خلقٍ كانوا في الأرض من قبل، وإما لمعرفتهم بطبيعة الأرض وأن الخليقة التي تجعل فيها يكون من شأنها ذلك، أو غير ذلك. وسياق القصة وقرائنها ظاهرة في أن الملائكة إنما أخبروا عن ظنهم, فكأنهم قالوا: إننا نظن كذا، وعلى هذا فلا يضرُّهم استنادهم إلى دليلٍ ظنِّيٍّ، بل ولا يضرُّهم أن [١٤٤] يتبيَّن خطأ ظنِّهم.

ألا ترى إلى ما رواه مسلمٌ في صحيحه وغيره عن طلحة، قال: مررت مع رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم بقومٍ على رؤوس النخل، فقال: "ما يصنع هؤلاء؟ " فقالوا: يُلَقِّحُونَه، يجعلون الذَّكَرَ في الأنثى فَيَلْقَحُ (٢) , فقال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: "ما أظن يغني ذلك شيئًا قال: فأُخْبِرُوا بذلك فتركوه، فأُخبر رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم بذلك، فقال: "إن كان ينفعهم ذلك فليصنعوه، فإني إنما ظننت ظنًا فلا تؤاخذوني بالظن،


(١) تفسير ابن جرير ١/ ١٦١. [المؤلف]
(٢) أي: يقبل اللقاح فينعقد طلعه.